في الكواليس الرئاسية حركة يقول عنها دبلوماسيون في بيروت إنّها تهدف إلى انتخاب رئيس للجمهورية بعد عيدَيْ الميلاد ورأس السنة. توصيف طبيعة الحراك لا يُلغي أنّه مُقيّد بمواقف القوى السياسية الداخلية وتشابكها مع الخارج العربي والغربي. وقبل هذا وذاك، يبقى أنّ هذه الحركة تصطدم بمواقف القوى الثابتة من المرشّحَيْن الجدّيَّين للرئاسة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزف عون. وهنا عودٌ على بدء، يُدرك الجميع أنّ سدّة الرئاسة الأولى ليست استحقاقاً لبنانياً داخليّاً، بل هي صَرْفُ نفوذ وتقاطع دوليّ في لبنان.
برزت في الأيام الماضية مواقف عدّة تستحضر قائد الجيش على أنّه مرشّح يمكن أن يكسر الجمود الناتج عن دوّامة الاقتراع بالورقة البيضاء مقابل التصويت لميشال معوّض. تظهّرت هذه المواقف تباعاً وبشكل دراماتيكي، وبدأت مع تسريبات وحملات إعلامية تحدّثت عن مبادرة قطرية مدعومة من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية تهدف إلى دعم وصول جوزف عون إلى القصر الجمهوري في بعبدا.
لاقى “حزب الله” هذه الأجواء بمواقف علنيّة استحضرت قائد الجيش والاستراتيجية الدفاعية. وممّا رفع من وتيرة هذه الأجواء الرسائل بين رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس مجلس النواب نبيه بري، التي وصفها مرجع نيابي مسيحي بأنّها “رسائل مُشفّرة” تحاول التقاطع مع ما يجري خارج البلد، وتحديداً في العاصمة القطرية الدوحة، التي سبق أن شهدت اتفاقاً لبنانياً أنتج رئيساً بعد هجمات 7 أيار عام 2008.ad
عليه سيكون لبنان أمام حراكين داخلي وخارجي قد يتقاطعان لاحقاً، لكن حتى الساعة تبدو الأمور مُعلّقة، وذلك أنّ جعجع وجّه رسالة إلى برّي مضمونها يلاقي ما طرحه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في روما من عدم جواز الاكتفاء بالدورة الأولى في جلسة انتخاب الرئيس. حصل ذلك في وقت رفع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل سقف المواجهة مع حليفه حزب الله على خلفيّة عقد جلسة حكومية في ظلّ الشغور الرئاسي، وإثر “تشابك” بين الطرفين لم يبلغ بعد حدّ “الاشتباك” في ما يتعلّق بانتخاب رئيس للجمهورية.
رسالة جعجع إلى برّي
بعد موقف رئيس حزب القوات الذي أكّد أكثر من مرّة عدم مقاطعته جلسات الانتخاب في حال تمّ جمع 65 صوتاً لأيّ مرشّح حتى لو كان خصماً له، بدت رسالته إلى الرئيس برّي لافتة، ووصفها مصدر قواتيّ رفيع بأنّها قد تكون “فاتحة حوار ثنائي” بين الرجلين.
تقول مصادر قوّاتية إنّها رسالة بوجهين: وجه ودّي برز في الخطاب يمكن أن يدفع باتجاه حوار ثنائي يمهّد لحوارات أخرى تتعلّق بالرئاسة. أمّا الوجه الثاني فهو قاسي اللهجة يحاكي مواقف البطريرك الذي رفع سقف خطابه ومستوى انتقاده لمجلس النواب الذي يكتفي بدورة واحدة كلّ مرّة يكون التئامه مخصّصاً لانتخاب رئيس للجمهورية.
جاءت رسالة جعجع فيما الكلّ مأزوم. ولذلك تنطلق القوات من واقع دوّامة الورقة البيضاء وميشال معوّض نحو محاولة كسر هذا الجمود. فهل تمهّد هذه الرسالة لحوار ثنائي بين عين التينة ومعراب يقوده النائبان علي حسن خليل وملحم الرياشي؟ الجواب على هذا السؤال هو من طبيعة “تميل إلى الإيجابية”، بحسب مصدر قوّاتي رفيع.
هل تؤدّي الأزمة إلى نقاشٍ في احتمال ثالث أو ينجح فريق الثامن من آذار في استغلال موقف بكركي وجعجع للذهاب إلى انتخاب فرنجية بـ65 صوتاً من دون جبران باسيل؟ وإن كان الخيار الثاني صداميّاً في البلاد فإنّه لا يزال قيد الدرس.
قطر تدخل على خطّ الانتخابات الرئاسيّة
بحسب مصدر وزاري رفيع لـ “أساس” فقد بادرت أو استُدعيت قطر لتلعب دوراً في الملفّ الرئاسي اللبناني. فهي فاتحت باسيل بترشيح قائد الجيش. يأتي الطرح القطري مدخلاً إلى تسوية تستبعد مرشّحي التحدّي، ونتيجة “إدراك” الدوحة لإمكان إبرام تسوية مع “حزب الله” ومن ورائه إيران. يقوم جوهر هذه التسوية على أنّه بعد الترسيم البحري تغيّرت الموازين في المنطقة واللاعبون الذين صاروا من طبيعة إقليمية ودولية، وهذا ما يُسقط الخوف من رئيس يطعن المقاومة في ظهرها على ما قال الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله.
يقول المصدر إنّه “لا أحد يطرح موضوع سلاح الحزب اليوم”. في وضعية كهذه يصير السؤال: هل هذا يكفي لإقناع الحزب بالتخلّي عن فرنجية مقابل ارتفاع حظوظ قائد الجيش؟من المبكر حسم الإجابة على هذا السؤال، فللرئاسة أبعاد أكبر من الداخل بالنسبة إلى حزب الله، وإذا كانت المصلحة الإقليمية لهذا الفريق هي في الذهاب إلى انتخاب رئيس من دون إجماع وطني عليه، فإنّه لن يتوانى عن فعل ذلك.
قطر تحاور باسيل
فاتح القطريون باسيل في زيارته السابقة بترشيح قائد الجيش، إلا أنّه لم يكن متحمّساً له، بل عارضه انطلاقاً من أسباب تتعلّق بتيّاره وأخرى تتعلّق بحزب الله. ينطلق باسيل في معارضته فرنجية وعون من ثابتتين:
ـ أوّلاً، إنّ انتخاب فرنجية من دون غطاء دولي يؤدّي إلى استمرار لبنان في عزلته بينما لبنان بحاجة إلى رئيس يعيد بناء العلاقات مع العرب والغرب.
ـ ثانياً، إنّ انتخاب جوزف عون من دون موافقة حزب الله سيخلق حالة من عدم الاستقرار الداخلي ستعيق مسار الحكم في لبنان الذي هو في أشدّ الحاجة إلى رئيس يحافظ على الاستقرار الذي يمثّل الممرّ الأساسي إلى إعادة النهوض.
إضافة إلى هذين السببين يقول مصدر رفيع في التيار العوني إنّ “باسيل ما زال يصرّ على أنّه مرشح ويملك مشروعيّة شعبية مسيحية، ولذلك على حلفائه، وتحديداً الحزب، أن يتخلّوا عن فرنجية إذا كان مطلوباً منه هو أن يتراجع، وذلك للتوافق على اسم ثالث يكون باسيل ممرّاً لانتخابه”.التيّار للحزب: مش حزب الله بقرّر مين رئيس جمهوريّة بلبنان.
بلغ رفض باسيل التسليم بالمرشّح سليمان فرنجية حدّاً بعيداً لا عودة فيه إلى الوراء كما يقول المقرّبون من باسيل. وقد عبّر عن ذلك نائب التيار جيمي جبور في مقابلة تلفزيونية قال فيها “مش حزب الله بقرر مين رئيس جمهورية بلبنان، ما حدا بيقبل ولا نحنا منقبل ولا هو لازم يقبل”.
ليس هذا الكلام مُستغرباً بالنسبة إلى من يعرف مدى تراكم حجم الاختلافات بين التيّار والحزب: من الملفّ الرئاسي إلى الملفّ الحكومي، ولا سيّما بعد دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى عقد جلسة حكومية الإثنين المقبل بموافقة من الثنائي الشيعي.
السؤال الاسترتيجي هو هل أنّ التحرك القطري يتم بموافقة السعودية؟ لا جواب حتى الآن. أم أنّ الحركة القطرية تسعى لاشتباك جديد بعد دخولها على خط التنقيب عن النفط اللبناني بتفاهم فرنسي – قطري من وراء السعودية؟