خاص : الأم البديلة” بين الحرية الشخصية ورأي الدين!!

غنوى الصايغ

الأم البديلة” بين الحرية الشخصية ورأي الدين!!

كثيرة هي المواضيع والظواهر المثيرة للجدل التي تقتحم مجتمعنا الشرقي في الآونة الأخيرة  ويتم اسقاطها  بين الناس من باب الحرية الشخصية، بدءا بالمثلية الجنسية وغيرها الكثير من المواضيع الشائكة البعيدة عن ثقافتنا وصولا الى الأم البديلة، هذه الظاهرة التي بتنا نسمع عنها بشكل كبير في الآونة الأخيرة.

“الاستعانة برحم بديل” هو إجراء قد يلجأ إليه زوجان يعانيان من مشاكل الخصوبة ، أو عندما يكون الحمل غير ممكن طبيًا، أو حتى عندما يرغب رجل أعزب أو زوجان مثليان في إنجاب طفل . وقد يتم ذلك بتبرع من الأم البديلة ، أو بتقاضيها تعويضاً مالياً وهو ما يسمى بتأجير الرحم . وقد يترافق هذا الإجراء باتفاق قانوني في الدول والولايات التي تجيزه ، أو باتفاق عرفي حيث لا يجاز قانونا.

منذ أيام قليلة أطلت الإعلامية “ديما صادق ” لتنفي الإشاعات التي طالتها على مدى خمسة أشهر بعد ولادة طفلتها جوري، وتتحدث هذه الإشاعات أن ديما صادق استعانت بأم بديلة لأنها تريد المحافظة على جسمها وإطلالتها.

في هذا الصدد أكدت صادق أنها لا تمانع هذا الحل للأمهات اللواتي يعانين من مشاكل في الإنجاب، أو اذا كان الهدف المحافظة على جسد ممشوق وتلافي المعاناة خلال الحمل، ورأت أن هذه حرية شخصية وأمر خاص لا ترى فيه مشكلة بأي شكل من الأشكال. ولكنها أكدت أنها هي لم تلجأ الى هذا الحل بتاتا، أولا لأنها لا تعاني من مشاكل تمنعها من الإنجاب، وثانيا لأنها تستمتع بتجربة الحمل وتعتبرها من أجمل التجارب في حياتها. وأشارت الى أنها لم تكن تود الرد على هذه الشائعات ولكنها أصبحت مضطرة الى ذلك بعدما وصل الحديث الى أقاربها وبدؤوا يسألونها عن الموضوع.

هنا كان لا بد من أخذ آراء رجال الدين وموقفهم من هذا الطرح. ولهذا الغرض ولمعرفة رأي الدين في موضوع الاستعانة بأم بديلة تحدثنا مع المفتي الشيخ أحمد نصار مدير كلية الدعوة الجامعية، الشيخ سليمان غانم قاضي شرف لدى طائفة الموحدين الدروز اللذين قدموا لنا  شرح مفصل حول وجهة نظر الدين في مقاربة هذا الموضوع .

المفتي الشيخ أحمد نصار الذي استهل اللقاء بالحديث عن التطور العلمي في طب الإنجاب وتحث عن ولادة أول طفلة بطريق التلقيح الصناعي في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، فكان هذا الحدث هو موضوع الساعة وقتئذ، ومن ذلك الحين وطب الإنجاب الصناعي في ثورة مستمرة وتطور دائم.

ومن طفرات هذا الفرع من فروع الطب ما يعرف بـ “الرحم البديل”، وصورته أن تلقح بويضة المرأة بماء زوجها ثم تعاد اللقيحة إلى رحم امرأة أخرى، وعندما تلد البديلة الطفل تسلمه للزوجين.

اسباب اللجوء الى “الرحم البديل:

وأسباب اللجوء إليه متعددة؛ كمن أزيل رحمها بعملية جراحية مع سلامة مبيضها، أو أن الحمل يسبب لها أمراضا شديدة؛ كتسمم الحمل، أو للمحافظة على تناسق جسدها، وتخلصها من أعباء ومتاعب الحمل والولادة، وهذه الصورة قد انتشرت مؤخرا في الغرب بشكل ملحوظ، وصارت المرأة التي تبذل رحمها لتحمل بويضة غيرها تفعل هذا في مقابل مادي فيما عرف بـ “مؤجرات البطون”، وقد بدأت هذه الممارسات في محاولات للتسلل إلى عالمنا الإسلامي.

ويؤكد الشيخ نصار أن الأدلة قد تضافرت حول حرمة اللجوء إلى طريق الرحم البديل سواء أكان بالتبرع أم بالأجرة، وهذا هو ما ذهب إليه العلماء المعاصرين، وبه صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية بمصر رقم 1 بجلسته المنعقدة بتاريخ الخميس 29 مارس 2001م، وقرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 28 ربيع الآخر 1405هـ إلى يوم الإثنين 7 جمادى الأولى 1405هـ الموافق من 19- 28 يناير 1985م.

وتابع، من الأدلة على ذلك قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ[٥] إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ[٦] فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ[٧]﴾ [المؤمنون: 5 – 7].

كذلك أن الأصل في الأبضاع التحريم، ولا يباح منها إلا ما نص عليه الشارع، والرحم تابع لبضع المرأة، فكما أن البضع لا يحل إلا بعقد شرعي صحيح، فكذلك الرحم لا يجوز شغله بغير حمل الزوج، فيبقى على أصل التحريم، كما أن الرحم ليس قابلا للبذل والإباحة؛ وذلك للمحافظة على صحة الأنساب ونقائها، وما لا يقبل البذل والإباحة لا تصح هبته، وكذلك إجارته؛ لأن الإجارة: “عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم”، وقد نص الفقهاء أن قولهم في التعريف: “قابلة للبذل والإباحة”؛ للاحتراز عن منفعة البضع، فإنها غير قابلة للبذل والإباحة.

ويشير الشيخ نصار الى أن “الرحم البديل”  يثير شبهة اختلاط الأنساب؛ لاحتمال أن تفشل عملية التلقيح بعد وضع اللقيحة في الرحم المؤجر، ويحدث الحمل عن طريق مباشرة الزوج لزوجته، فيظن أن الحمل والوليد للمستأجر، مع أنه في الواقع ليس له.

وكذلك ترد هذه الشبهة في حالة استمرار الزوج في مباشرة زوجته وهي حاملة للبويضة الملقحة؛ لأن الجنين يتغذى بماء الزوج، كما يتغذى من الأم الحامل، وقد ورد النهي الصريح عن وطء الحامل التي هي من هذا القبيل،

فعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره»، وأضاف، أن الإجارة لا يجوز التوسع فيها بالقياس؛ لأنها شرعت على خلاف الأصل، فإن الأصل في التملك هو تملك الأعيان والمنافع معا، وليس تملك المنافع دون الأعيان، والإجارة عقد على تملك المنافع فقط، فكانت مشروعيتها على خلاف الأصل، وما شرع على خلاف الأصل لا يجوز التوسع فيه بالقياس عليه، بل يقتصر فيه على مورد النص المجيز فقط، فإذا كانت الإجارة بصفة عامة لا يجوز التوسع فيها بالقياس عليها، فإجارة المرأة للرضاع لا يجوز التوسع فيها بالقياس عليها من باب أولى.

كما أننا يمكنا التدليل على تحريم تأجير الأرحام بالضرر الذي سيقع على المرأة المؤجرة لرحمها، فإنها لا تخلو من إحدى حالتين: إما أن تكون متزوجة، أو تكون غير متزوجة، فإن كانت متزوجة: جاءت شبهة اختلاط الأنساب، وإن كانت غير متزوجة: عرضت نفسها للقذف وقالة السوء.

بالإضافة الى أن القول بإجازة الحمل لحساب الغير فيه إزالة لضرر امرأة محرومة من الحمل بضرر امرأة أخرى هي التي تحمل وتلد، ثم لا تتمتع بثمرة حملها وولادتها وعنائها، والقاعدة المقررة: “أن الضرر لا يزال بالضرر”.

ومن الأسباب التي تدعونا للقول بالحرمة أيضا غلبة المفاسد المترتبة على هذه العملية، ومنها: إفساد معنى الأمومة كما فطرها الله وعرفها الناس، وصبغها بالصبغة التجارية، مما يناقض معنى الأمومة التي عظمتها الشرائع وناطت بها أحكاما وحقوقا عديدة، ونوه بها الحكماء، وتغنى بها الأدباء، وهذا المعنى وذلك التعظيم لا يكون من مجرد بويضة أفرزها مبيض امرأة ولقحها حيوان منوي من رجل، إنما تتكون من شيء آخر بعد ذلك هو الوحم والغثيان والوهن في مدة الحمل، وهو التوتر والقلق والطلق عند الولادة، وهو الضعف والهبوط والتعب بعد الولادة.

فهذه الصحبة الطويلة هي التي تولد الأمومة؛ كما أن تغطية الأمومة بهذا الحاجز الضبابي يؤدي إلى تنازع الولاء عند الطفل بعد الإنجاب: هل سيكون ولاؤه لصاحبة البويضة، أو للتي حملته وأرضعته من ثدييها؟! مما قد يعرضه لهزة نفسية عنيفة؛ إذ إنه لن يعرف إلى من ينتمي بالضبط: إلى أمه الأولى أم أمه الثانية؟! ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح.

القاضي الشيخ سليمان غانم (قاشؤ شرف لدى طائفة الموحدين الدروز) رأى أن  ظاهرة الأم البديلة هي من الظواهر الغريبة المستحدثة التي أُسقطت على المجتمع في هذا العصر.

أما حكم هذا الإجراء لدى طائفة الموحدين الدروز ، شرعاً وقانوناً ، فيتلخص بما يلي:

حيث أن المرأة البديل تتبرع بإعارة رحمها أو بتأجيره حيث يتم زرع النطفة في الرحم من خلال الفرج ، وحيث أمر الله سبحانه في كتابه العزيز المؤمنين والمؤمنات بحفظ الفروج إلا على الأزواج ( سورة المؤمنون ، سورة النور ، سورة ق ، سورة المعارج … ) ،

وحيث من الثابت شرعاً أن زرع النطفة في رحم غير الزوجة هو الزنا الحقيقي ،

وحيث نهى تعالى عن الزنا بقوله : وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا (الإسراء/ 32) ، وقد حرَّم الله تعالى جريمة الزِّنا، فحرمته ثابتةٌ في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة وإجماع العلماء، كما رتَّب الله تعالى على فعل الزنا عقوباتٍ شديدةٍ في الدُّنيا والآخرة،

وحيث يستفاد من أحكام الفصل السابع عشر من قانون الأحوال الشخصية لطائفة الموحدين الدروز ( من المادة 137 إلى المادة 144) أن إنجاب ولد من غير زوجين مرتبطين بعقد زواج شرعي حرام شرعا ولا يثبت له النسب ويعتبر مولوداً غير شرعي ، وحيث لا يصح القول بأن بعض المذاهب أجاز تعدد الزوجات وعليه فقد يلجأ الزوج لعقد زواجه على زوجة ثانية لينجب منها ولداً وينسبه إلى زوجته الأولى لأن عند الموحدين الدروز وفقاً لأحكام المادة العاشرة من القانون المذكور أعلاه : ” ممنوع تعدد الزوجات فلا يجوز للرجل أن يجمع بين زوجتين وإن فعل فزواجه من الثانية باطل “.

وحيث أن الجنين يتغذى من دم أمه صاحبة الرحم حتى ينتهي تكوينه وولادته وبالتالي فهو أصبح لحما ودما ينتمي للأم صاحبة الرحم ، وعليه فإن صاحبة البويظة والرحم تكون والدته الحقيقية ، وبالتالي فإن نسبه إلى امرأة أخرى يسمى بالتبني وهو أن ينسُبَ الإنسانُ إلى نفسه من ليس ولدًا له ، لا هو من صلبه ، ولم تلده زوجته على فراشه ، فينسُبه إلى نفسه ، ويعطيه اسمه ولقبه ، ويصبح واحدًا من أفراد العائلة ، والتبنِّي حرام في الإسلام.

وحيث _ فضلاً عن ذلك _ فإن ظاهرة الأم البديل مخالفة لفطرة الله التي فطر الناس عليها ، ومخالفة لأحكام الطبيعة وقوانينها ، وبالتالي فهي مرفوضة بكل وجوهها لدى طائفة الموحدين الدروز ، وهي حرام شرعاً ، وممنوعة قانوناً ، ولا يثبت بها النسب ولا يترتب عليها حق الميراث أو أي حق شرعي آخر.

اذا، في الدين لا يمكن القبول بالاستعانة برحم بديل مهما كانت الأسباب، ولكن بالطبع يبقى لدى بعض الأشخاص وجهة نظر مختلفة بحكم التطور العلمي وحق المرأة التي تعاني في الإنجاب بالحصول على أطفال.

ما قدمناه هو لمساعدة الأشخاص الذين يبحثون عن رأي الدين في هذه الحالة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى