دخلت جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية الروتين القاتل، وبات المشهد يتكرّر جلسة بعد جلسة، في وقت يبدو أن السنة الجديدة ستطلّ وكرسي الرئاسة فارغ. لا يزال المشهد الرئاسي هو هو: مرشّح علنيّ يخوض المعركة ويحاول نيل أكبر دعم نيابي معارض هو رئيس حركة “الإستقلال” النائب ميشال معوّض، مقابل مرشّح ثانٍ هو رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجية لم يتجرّأ الفريق الداعم له حتى الساعة على التصويت له، ويعمد إلى تعطيل النصاب واتّباع سياسة الهروب إلى الأمام.
في المقابل، يبدو أن “حزب الله” الذي يميل للتصويت لفرنجية هذه المرّة لم يستطع إقناع رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل بالتصويت له، وبذلك يبقى فرنجية بلا غطاء مسيحياً ولا يستطيع داعموه تخطّي نقطة الضعف الأساسية هذه.
ومن جهته، لم يعلن باسيل ترشّحه ولم يبح لمن ستذهب أصوات “التيّار”، وبالتالي فإنّ الغموض يبقى سيّد الموقف لدى حلفاء “حزب الله”، بدسب “نداء الوطن” وجلّ ما يعلنه باسيل هو أنه لن يصوّت لفرنجية. وبما أنّ أرقام معوّض المسيحية تخطّت الـ32 نائباً مسيحياً صوّت له، فإنّه بإمكان كتلة “لبنان القوي” إذا ما دعمته أن تحسم المعركة الرئاسية، من هنا فإنّ أيّ حوار بين معوّض وباسيل قد يقرّب المسافات.
هذا في الظاهر، أمّا في العمق فإنّ معوّض غير مستعدّ لفتح مثل هذا الحوار، فالرجل يريد أن يخوض معركة سيادية بلا تنازلات ويجزم بأنه لن يدخل في تسويات ولا يهمه الوصول إلى بعبدا بقدر الحفاظ على المبادئ التي صوّت الناس له على أساسها. وإحدى أهم نقاط الإختلاف الجوهرية، هي توصيف مشكلة سلاح “حزب الله”، فمعوّض صارم في هذه النقطة حتى عندما تحالف مع “التيار الوطني الحرّ” في انتخابات 2018، في حين أن “التيار” يؤمّن الغطاء المسيحي لهذا السلاح، وشكّل عهد الرئيس ميشال عون أكبر توسّع لـ”الدويلة” على حساب الدولة.
ويعتبر هذا من أهم الأسباب التي تمنع التقارب بين معوّض و”التيار”، يُضاف لها شقّ اتهام “التيار” بالفساد خلال العهد العوني وتولّي الوزارات وعلى رأسها وزارة الطاقة، بينما لا يريد معوّض في حال تأمّنت ظروف انتخابه أن يدخل مكبّلاً بمطالب باسيل في الوزارات والتعيينات الإدارية.
ومن هذا المنطلق، فإنّ معوّض يصرّ على خوض معركة سياسية وسيادية وإصلاحية، بينما لو حصلت نية تقارب فإنّ باسيل لا يمكنه أن يخرج من عباءة “حزب الله”، فهو يرفع السقف مثلما حصل في الإنتخابات النيابية السابقة لكي يحصد أكبر قدر من المكاسب، واختلافه مع “الحزب” هو في التكتيك وليس في الإستراتيجية، وهذا ما ظهر جلياً طوال عهد عون الذي أعطى “الحزب” أكثر ممّا أعطاه الرئيس إميل لحّود.
ولا يبدو أن هناك أفقاً للحوار بين القوى السياسية، وهنا لا يقتصر الأمر على معوّض وباسيل، فمعوّض ينال الغطاء المسيحي الكافي، لكنّ هذا الغطاء لا يسمح له بالوصول إلى بعبدا.
ويحاول رئيس مجلس النواب نبيه برّي التسويق لمرشّحه فرنجية، وهو دعا لحوار على مقياس طموحات فريقه السياسي لكنّه جوبه بالرفض، وبالتالي فإنّ أيّ تواصل جدّي بين القوى السياسية لن يحصل في وقت قريب نظراً للمؤشرات السلبية المتوافرة والتي توحي بأنّ أمد الفراغ سيطول