تتّسع الهوة أكثر وأكثر بين رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل و”حزب الله” ما يزيد من أجواء التأزّم الداخلي ويُصعّب مهمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
لا شكّ أنّ خلاف «التيار»- «الحزب» ليس مفاجئاً، فباسيل يعمد دائماً إلى رفع السقوف لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب، لكنّ الجديد في هذا الشأن هو أن الخلاف أتى قبل الحسم الرئاسي وسط خشية باسيل من تفضيل «الحزب» رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية الذي يشكّل له منافساً داخل صفوف 8 آذار.
ووسط كل ما يحصل، أبلغ باسيل «حزب الله» الجواب بأنّه لا يمكنه السير بترشيح فرنجية، ووصل هذا الجواب إلى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال زيارة باسيل الأخيرة لبكركي يوم الجمعة على اعتبار أن فرنجية يمثّل إستكمالاً للحكم الذي نشأ منذ عام 1990 وللمنظومة نفسها ولا يُمثّل مسيحياً.
لكن ما هو لافت للإنتباه أن باسيل الذي يضع «فيتو» على ترشيح فرنجية لم يضع مثل هكذا «فيتو» على ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون بل أبدى عدم الرغبة في السير به فقط، ويحاول تسويق لائحة أسماء على رأسها وزير المال السابق في حكومة السنيورة الأولى جهاد أزعور.
ويأتي تبني باسيل لأزعور لاعتبارات عدّة أبرزها أنه شخصية كانت تحتسب سابقاً على رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة وفريق 14 آذار وبالتالي يظنّ رئيس «التيار» أنّ قسماً من هذا الفريق قد يدعمه، لذلك كانت دعوة باسيل لـ»القوات» للتحاور وفي ظنّه أنّ «القوات» ستقبل بوزير المال السابق.
أما النقطة الثانية التي تدفع باسيل لتفضيل أزعور على غيره، فتعود لأنّ الرجل هو مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي ولديه علاقات واسعة مع أعضاء الصندوق ومع الأميركيين، وقد اتفق معه على أنه سيعمل فور انتخابه على تعزيز الجهود لإقناع الأميركيين برفع العقوبات عن باسيل.
ومن جهة أخرى، فإن أزعور لن يشكّل خطراً على باسيل في الشارع المسيحي، فهو إداري وأكاديمي وليس رجل سياسة مثل فرنجية ولا يمكنه أن يقضم من صحن «التيار» المتآكل أصلاً وسيعطي باسيل في المقابل، كلّ ما يطلبه من جنة الحكم.
كذلك تنضم إلى لائحة الأسباب التي تشجّع رئيس «التيار» على ترشيح أزعور وتسويقه، بحسب “نداء الوطن”، العلاقة الجيدة التي تربط باسيل بشقيق وزير المال السابق، المتعهد طوني أزعور والذي سلّمه باسيل عدداً من مشاريع السدود، ما يعني أنّ ثقة باسيل بطوني أزعور كبيرة جداً، وقد تُجيّر لمصلحة جهاد أزعور.
ويؤدّي طوني أزعور دوراً محورياً في تسويق شقيقه جهاد، فهو الذي أبرم الإتفاق بين باسيل وجهاد وتولّى إعطاء الضمانات، وقد تمّ وضع خطة عمل من أجل قبول بقية الأطراف به، ويحاول طوني أزعور الذي تربطه علاقات جيدة ببكركي، إقناع البطريركية المارونية بتبني ترشيح شقيقه، لكنّ البطريركية ترفض الدخول في متاهة الأسماء، وهي تحاول إجراء محاولات توفيقية فقط، وليس لديها مرشحون، ما يعني أنّ مهمة طوني أزعور في بكركي لم تُكلل بالنجاح.
ومن ناحية أخرى، فإنّ باسيل طرح على الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله لائحة مرشحين ومن بينهم أزعور لكي يمرّره بعد إبلاغه رفضه السير بفرنجية فلم يبدِ نصر الله أي موقف مؤيّد لأفكار باسيل ومرشحيه، في حين أنّ «القوات» تعتبر أنّه لم يعد هناك ثقة بباسيل وترى أنّ أي مرشح يطرحه يكون قد أبرم صفقة معه خصوصاً أنّ التجارب معه لا تشجّع. وبالتالي لم يتمكّن باسيل من تحقيق مراده من خلال هذا الطرح لأن الحلفاء لم يسيروا به وكذلك البطريركية المارونية لم تتبنّه على رغم أنّه يهمّها إنتخاب رئيس اليوم قبل الغد. كما أنّ الفريق السياسي الذي كان ينتمي إليه أزعور قبل انتقاله إلى الضفة المقابلة، لم يبدِ أي حماسة لتبني ترشيحه.
فاحت رائحة السمسارات والصفقات من السدود التي تبنى باسيل ووزراء الطاقة العونيون إطلاقها وتلزيمها فيما كان طوني أزعور أحد أبرز المتعهدين المقربين من باسيل، لذلك فإنّ هذه النقطة تشكّل علامة سوداء ستؤثّر حكماً على ترشيح أزعور، لكن في بلد مثل لبنان كل شيء وارد فهل تسلك الرئاسة طريق الصفقات ويتم الإجهاز على ما تبقّى من دولة؟