تزداد حدّة التوتر السياسي في لبنان بشكل لافت وذلك بالتوازي مع استمرار الكباش حول ملفّ الانتخابات الرئاسية. لكنّ الاهم في كل ما يحصل هو “خطاب التراجع” الذي تظهّر خلال لقاء متلفزٍ مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الاحد وتحديداً في الشقّ المتعلّق بالعلاقة مع “حزب الله“.
حاول النائب جبران باسيل ترميم الأضرار التي ألحقها بعلاقته مع “حزب الله” بعد مؤتمره الصحفي الاخير الذي طغى عليه التصعيد في الشكل والمضمون. حيث انه قام بمسايرة “الحزب” من خلال إبعاد أمينه العام السيد حسن نصر الله عن أي هجوم ووارب من باب “عدم القصد” للتأكيد على صدقية “الحزب” الذي يستحيل أن ينكث الوعد.يجيد رئيس “التيار الوطني الحر” اللعب على الكلام، الامر الذي شهدناه في أكثر من محطّة خطابية له، لكنّه في هذه المرة فشل في إنجاح عملية التجميل بمشرط النوايا، إذ إن النوايا ترجمها اللسان. وفي حلقة استعراض مدروسة، سقط باسيل في مواجهة أشعلت قواعد “الحليفين” وكشفت ما ستره طويلاً “تحالف الضرورة”!
لا تواخذونا”، عبارة تختصر المقابلة المتلفزة التي أعاد باسيل من خلالها تصويب البوصلة، مؤكداً من جديد على أن معركته مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي، مبدياً استعداده للعودة الى الحوار مع “حزب الله” بشرط واحد هو الحفاظ على الوجود، أي بمعنى اوضح، عدم تخطّيه في ملفّ الاستحقاق الرئاسي والقفز فوق خياراته.
وعلى الرغم من أن باسيل أعاد “دوزنة” نبرته في لقائه الاخير، غير أنّه لم يتنازل عن موقفه بشأن الملفّ الرئاسي معتبراً في لهجة تمنّي أن “الحزب” لن يسير بأي مرشّح من دون الوقوف على خاطر “التيار” وما يمثّله على الساحة المسيحية، وفي هذا رسالة واضحة لـ “حزب الله” مفادها أن رد الفعل الذي قام به باسيل عقب انعقاد جلسة حكومة تصريف الاعمال برئاسة نجيب ميقاتينقطة في بحر الانعكاسات التي قد تترتب على قرار “الحزب” بالذهاب لانتخاب رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية وفقاً لمنطق “طالما نحنا ما منقبل، ما في رئيس جمهوريّة”!وإذ أكّد النائب جبران باسيل على أنّ “التيار” لن يسير بمرشّح لا يرضى عنه “الحزب”، ولو انّه لم يقل ذلك صراحةً، الا أنه بإعلانه رفض ترشيح قائد الجيش جوزيف عون عاد خطوة للوراء في رسالة مزدوجة أساسها طمأنة “الحزب” بأنه لم يعقِد أي تسوية سياسية من دون علم “الحزب” تأتي بعون رئيساً.
هكذا ركب باسيل قطار التهدئة مع “الحزب”، من دون معرفة ما إذا كان الرجل سيحافظ على هدوئه في ظلّ الاشتباك الاعلامي الحاصل بين “الوطني الحر” و”حزب الله” وبين الناشطين من كلا الطرفين. فهل يتمكّن من اقناع قاعدته الشعبية بالعودة الى دائرة الأمان وتقبّل الحلفاء الذين يخوّنهم حيناً ويؤمّنهم متى يشاء!