بعد رفض الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وضع النواب أنفسهم في مأزق جديد. لم ينتخبوا رئيساً للجمهورية بعد عناء عشر جلسات، يودعون عامهم ويستقبلون آخر وعينهم على الخارج ليوفّق في ما بينهم على قاعدة أنّ «الكنيسة القريبة لا تشفي». ولذا ستلقى جلسة اليوم الإنتخابية مصير سابقاتها وليس معلوماً ما إذا كان رئيس المجلس سيدعو مجدداً الى جلسة إنتخاب العام المقبل، اذا لم يحصل اتفاق على الرئيس.
بات بحكم المسلم به أنّ البلاد دخلت سباتاً عميقاً إلى ما بعد الأعياد وربما أبعد من ذلك، وأي حل مرتقب أو طرح جدي بالشأن الرئاسي لن يلوح في الأفق القريب بما فيه الحديث عن دخول قطر على خط رئاسة الجمهورية. وتتحدث معلومات موثوقة عن مبادرة قطرية قيد التبلور، ستظهر أولى بوادرها تدريجياً بعد المونديال وانتهاء فترة الأعياد.
وحسب المعلومات فإنّ الجانب القطري لا يعمل بمفرده، وهناك جهات دولية دخلت على الخط والدفع باتجاه دعمها قدماً لطرح مبادرة مفادها أن تتولى جهات معينة، فرنسية على الأرجح، إقناع المملكة السعودية بتبني ترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، لكن آخرين محيطين بقطر ينصحون أنّ الطريق الأسلم هو أن يتم إقناع «حزب الله» بترشيح قائد الجيش جوزاف عون بدل فرنجية. منذ فترة وردت إلى قائد الجيش بوادر تطمينات بشأن ترشيحه على اعتبار أنه المرشح الذي تتقاطع حول انتخابه أميركا وفرنسا والسعودية وطرحه سيكون أسهل من مرشح لم تعبّر هذه الدول بعد عن قبولها بترشيحه. وإذا كان «حزب الله» هو العقبة لرفض ترشيح رأس المؤسسة العسكرية مجدداً فإنّ الوضع سيستلزم تسوية من السعودية تجاه «حزب الله» ومن الأميركيين على حد سواء.
فيكون المقابل من الأميركيين رفع العقوبات المفروضة على «حزب الله»، ومن السعودية العودة إلى تقديم الدعم المالي للبنان، ويدخل في أساس التسوية المشار إليها رفع العقوبات عن رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل خاصة وأنّ قطر تبنّت هذا الملف وتعمل على معالجته. أي أن الموضوع قيد الدرس حالياً هو: ما المقابل الذي يمكن أن يجعل «حزب الله» يقبل بترشيح جوزاف عون؟
غير أنّ مثل هذه المعلومات حتى الساعة لم تركن إلى أسس متينة بعد، وصلت اصداؤها إلى «حزب الله» بالتواتر ولم يأت أي موفد لزيارة لبنان يفاتحه بشأن المبادرة أو يتلقى أي صيغة رسمية، ما يجعله يتحفّظ عن التعاطي بالموضوع إنطلاقاً من أمرين:
الاول وهو أنّ الأميركيين لم يتجرأوا بعد على إعلان ترشيح قائد الجيش تجنباً لوضع «حزب الله» الفيتو على ترشيحه لإعتباره مرشحهم.
والثاني وقد يكون الأهم وهو أنّ القطري وإن كان مستعداً لتقديم المبادرة ومتحمساً، ولكن السعودية لا تزال في مربعها الأول بالتعاطي مع لبنان ولم تدرجه على جدول إهتماماتها بعد ولم تفصح عن موقفها تجاه أي من المرشحين علانية ولو أنها تميل ضمناً لقائد الجيش.
ترشيح عون وقبل موقف «حزب الله» هو ترشيح مرفوض من قبل «التيار الوطني الحر» الذي فاتحه القطريون بالأمر وقابلهم بالرفض، على إعتبار أنّ وصول جوزاف عون يشكل خطراً على باسيل لقدرته على استقطاب «التياريين» من عائلات العسكريين ممن يشكلون عمق التيار الرئيسي. وبعيداً عن موقف التيار يطرح السؤال الأساسي والأهم: هل سيوافق «حزب الله» على أي تسوية تتعلق بترشيح جوزاف عون؟
تؤكد مصادر مطلعة على أجوائه أنّ «حزب الله» لم يتلق أي عرض أو مبادرة قطرية تتعلق بالرئاسة وبترشيح قائد الجيش ولا جوزاف عون فاتحه برغبته في الترشح، وهو يحاذر التعاطي على أنه مرشح رئاسي ولو أنّ لديه فريق عمل زار موسكو لمفاتحة الروس بشأن ترشيحه، وهو قصد قطر وكانت الرئاسة من المواضيع الأساسية التي تم بحثها مع المسؤولين القطريين كما كان الموضوع عينه قيد البحث مع الفرنسيين. ومن الإعتبارات التي يحاذر عون إعلان ترشحه لأجلها، أنّ مثل هذا الترشيح يحتاج إلى تعديل الدستور وهذا أمر لن يحصل إلّا في حال التوافق على انتخابه، وهو يرى أن الأرضية لترشحه لم تنضج بعد وبالتالي يتجنّب تخريب علاقته بالقوى السياسية خاصة وأنّ الفراغ الرئاسي سيطول وقد لا تتوافر كلمة السر بشأنه، وفي هذه الحالة سيكون مضطراً للعب دوره الأمني تأميناً للإستقرار وإلا صار طرفاً وأدخل الجيش في أتون خطير، وإذا ما تمكن من الحفاظ على الإستقرار خلال فترة الفراغ الدستوري يكون قد أثبت موقعه وعزز حظوظه.
لـ»حزب الله» منطق بسيط ومعادلة تقول إنّ لديه مرشحاً اسمه سليمان فرنجية ولا يملك أي خطة ثانية بديلة وسيستمر بالسعي والمحاولة لتأمين إنتخابه. غير أنّ العاملين على خط المبادرة القطرية يعتقدون أنّ الحل سيأتي مباشرة، حيث سيجد فرنجية أنّ إنتخابه مستبعد فينسحب من تلقاء نفسه متى وجد أنّ التسوية تقوم على إنتخاب غيره. لكن مثل هذا الطرح يجده «حزب الله» غير منطقي كي يبني عليه وهو الذي إعتاد في أدبياته ألا يستبق الأمور ويبني مواقفه على أساس فرضيات، لكن هذا لا يعني بالنسبة له أن أهمية المبادرة القطرية متى وجدت وفي حال وضعت أفكاراً جدية على الطاولة فهي ستشكل حكماً بداية الإهتمام الدولي والإقليمي بلبنان وتشرع أبواب البحث الرئاسي. أمّا ما يتداوله البعض إعلامياً عن عودة السي- سين ربطاً بزيارة مدير المخابرات السورية اللواء حسام لوق السعودية عن طريق بيروت عار عن الصحة، ويؤكد العارفون أنّ لا اهتمام قريباً من سوريا تجاه لبنان لسببين: أنّ السوريين منشغلون بأمورهم الخاصة ومعالجة مشكلاتهم الإقتصادية، ولأنّ تدخلهم في الملف اللبناني مرتبط بالعلاقة مع الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ليقرر ما يراه مناسباً.
غادة حلاوي – نداء الوطن