توصّلت دراسة جديدة إلى أنّ السماح للأطفال بمشاهدة الأجهزة اللوحية وشاشة التلفاز قد يُضعف تحصيلهم الأكاديمي، وسلامتهم العاطفية لاحقًا.
وأفادت الدراسة المنشورة في مجلة “JAMA Pediatrics”، الإثنين، أنّ الباحثين وجدوا أنّ مشاهدة الشاشة لوقت طويل في مرحلة الطفولة، يرتبط بضعف الأداء التنفيذي، ما أن يبلغ الطفل الـ9 سنوات من عمره.
وبحسب مركز جامعة هارفارد لتنمية الطفل، فإنّ مهارات الأداء التنفيذي هي عمليات ذهنية “تمكّننا من التخطيط، وتركيز الانتباه، وتذكّر التعليمات، والتوفيق بين المهام المتعددة بنجاح”.
ووفقًا لما ذكرته الدراسة، تُعد مهارات الأداء التنفيذي مهمة للإدراك عالي المستوى، مثل التنظيم العاطفي، والتعلّم، والتحصيل الأكاديمي، والصحة العقلية.
وقالت الدكتورة إريكا شيابيني، الأستاذة المساعدة في الطب النفسي والعلوم السلوكية بكلية الطب في جامعة جونز هوبكنز بمدينة بالتيمور الأمريكية، إن هذه المهارات تؤثر على نجاحنا اجتماعيًا، وأكاديميًا، ومهنيًا، وفي كيفية اهتمامنا بأنفسنا.
ولفتت شيابيني، غير المشاركة في الدراسة، إلى أنّه رغم أنّ هذه العمليات المعرفية تتطوّر بشكل طبيعي من الطفولة حتى مرحلة البلوغ، إلا أنها تتأثّر أيضًا بالتجارب التي نختبرها، ومتى كان ذلك خلال تطوّرنا”.
وأشارت الدكتورة جويس هاريسون، الأستاذة المساعدة في الطب النفسي والعلوم السلوكية بكلية الطب في جامعة جونز هوبكنز، غير المشاركة في البحث، إلى أنّ النتائج تدعم التوصيات الصادرة عن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، التي تفضل عدم تعريض الأطفال للشاشة قبل بلوغهم الـ18 شهرًا، باستثناء الدردشة بتقنية الفيديو.
ونظرت الدراسة في بيانات من Growing Up in Singapore Towards healthy Outcomes” (GUSTO)”، أو النمو في سنغافورة من أجل نتائج صحية، واستطلعت النساء من جميع الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. وتتكوّن العينة من 437 طفلاً خضعوا لفحوص تخطيط كهربائية للدماغ (EEG)، تُستخدم لفحص المسارات العصبية للوظائف المعرفية في الدماغ للأطفال عندما يبلعن عمر السنة، و18 شهرًا، و9 سنوات.
وأبلغ الأهل عن الوقت الذي يقضيه كل طفل أمام الشاشات، ووجد الباحثون أن ثمة رابط بين وقت المشاهدة خلال الطفولة، والانتباه، والوظيفة التنفيذية في عمر 9 سنوات، وفقًا لما ذكرته الدراسة.
وأعربت الدراسة عن الحاجة إلى إجراء المزيد من البحث لتحديد ما إذا كان وقت الشاشة قد يسبّب بضعف الوظيفة التنفيذية، أو إذا كان ثمة عوامل أخرى في بيئة الطفل تعرّضه لوقت أطول أمام الشاشة، وتضعف الأداء التنفيذي التابع له.
ما يحتاجه الأطفال
وأوضحت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال أنه في مرحلة حافلة بالتعلم مثل الطفولة، تتمثّل إحدى مشاكل استخدام الشاشة، بأنّ الأطفال الصغار لا يتعلمون الكثير منها.
وقالت هاريسون لـCNN: “ما من بديل لتفاعل الكبار، والنمذجة، والتدريس”.
وأوضحت شيابيني أنّ الأطفال يجدون صعوبة بتفسير المعلومات المعروضة، على سبيل المثال على الشاشات، ويواجهون صعوبة بالتمييز بين الخيال والواقع.
وأضافت شيابيني في حديث لها مع CNN، أنّ “الأطفال والرضّع هم أيضًا متعلمون اجتماعيون، ويستفيدون كثيرًا من التفاعل المتبادل مع الآخرين (البالغين والأطفال)، وهذا الأمر يصعب تحقيقه من خلال استخدام الشاشات”.
وأشارت إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالتنظيم العاطفي، يمكن للرضّع والأطفال الصغار التعلّم من مقدّمي الرعاية لهم عندما يمثلون نموذجًا لضبط النفس، أو يساعدون على تصنيف المشاعر، واستخدام التعابير المناسبة.
وتابعت هاريسون، أنّه يمكنك إعطاء أحد الأطفال الصغار خيارات لما يمكن فعله عندما يكون غاضبًا، مثل أخذ قسط من الراحة، أو التنفس بعمق بدلاً من اللجوء إلى سلوكيات غير مناسبة مثل الضرب.
وقالت الدكتورة جيني راديسكي، طبيبة الأطفال السلوكية التنموية، والأستاذة المساعدة لطب الأطفال في مستشفى ميشيغان ميديسين سي.إس. موت للأطفال، غير المشاركة في البحث، إنّ الحديث عن العواطف قد يكون بمثابة أمر مجرّد إلى حد كبير للأطفال في سن ما قبل الدخول إلى المدرسة، إذ في تلك الحالة قد يكون استخدام مناطق الألوان للتحدث عن المشاعر مفيدًا.
وقد يصنّف الهدوء والفرح باللون الأخضر، والقلق أو التوتّر باللون الأصفر، والاستياء والغضب باللون الأحمر، وذلك من خلال استخدام رسومات أو صور للوجوه لمساعدة الأطفال على مطابقة ما يشعرون به مع نطاق الألوان الخاصة بمشاعرهم. ولتعزيز ذلك، يمكن للبالغين التحدث عن عواطفهم من حيث الألوان أمام أطفالهم، بحسب ما ذكرت راديسكي في مقال سابق لها نُشر في CNN.
وأضافت أنه يمكن للأهل والأطفال استعراض الألوان معًا والتوصل إلى أدوات تهدئة للمناطق المختلفة.
ولتعزيز مهارات الوظيفة التنفيذية، رأت هاريسون أنه من المهم توفير مشاركة منظمة حيث يمكن للطفل العمل من خلال حل المشاكل إلى الحد الأقصى الممكن المناسب لمستوى نموه، عوضًا عن القيام بحل المشاكل عنه.
كيفية إنجاز الأمور من دون شاشات
ولكن في بعض الأحيان، يحتاج الأهل فقط إلى إنهاء مهمة منزلية، أو حضور اجتماع عمل، ويمكن أن تكون الشاشات مصدر إلهاء فعّال لأطفالهم.
وأكّدت هاريسون أنه من الأفضل تجنيب الأطفال الصغار جدًا قضاء الوقت أمام الشاشات. ونصحت أنّه بدلاً من ذلك، من الأفضل إشراك الطفل في الأعمال المنزلية. وعلى سبيل المثال “إعطاء الطفل الذي يمشي بعض الملابس كي يطويها بجانبك أثناء محاولتك طوي الملابس، أو وضع الطفل بمكان آمن قربك بحيث يمكنك التواصل معه على نحو متكرّر بالعين، خلال قيامك بواجباتك”.
وقالت إنه بالنسبة للأطفال الأكبر سنًا، فإنه يجب استخدام وقت المشاهدة على نحو استراتيجي قبل دخول المدرسة.
وأوضحت هاريسون أنه مثلًا “يمكن حجز ساعة واحدة من وقت الشاشة خلال إجراء اجتماع فيديو مهم”.
وأضافت أن هناك بعض المحتوى الذي قد يساعد على تعليم التنظيم العاطفي عندما تستنزف كل الوسائل.
ووجدت شيابيني أنه يمكن جعل وقت الشاشة مثمرًا من خلال مشاركة طفلك بالمشاهدة، وطرح أسئلة مثل “ما هو شعور هذه الشخصية؟” و”ماذا يمكن للآخرين فعله لمساعدة صديقهم؟”.