من دون فتح كتاب دراسي واحد، أو قضاء يوم في كلية الطب، أجاب المؤلف المشارك لدراسة ما قبل الطباعة بشكل صحيح على أسئلة الممارسة الكافية لاجتياز امتحان الترخيص الطبي الأمريكي الحقيقي.
لكن المتقدم للاختبار لم يكن عضوًا في جمعية “منسا” الدولية للأفراد ذوي نسبة الذكاء المرتفعة، أو خبيرًا في مجال الطب؛ لقد كان برنامج “شات جي بي تي” للذكاء الاصطناعي.
الأداة، التي أنشئت للإجابة على أسئلة المستخدم بطريقة محادثة، أثارت ضجة كبيرة لدرجة أن الأطباء والعلماء يحاولون تحديد ماهية حدودها، وما يمكن أن تفعله في مجال الصحة والطب.
ما هو “شات جي بي تي” ChatGPT
تقنية ChatGPT، أو ما يمكن تسميته بالمحولات التوليدية المدربة مسبقاً، أداة معالجة لغة طبيعية تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
وطرحت التقنية، وهي من تطوير شركة OpenAI التي تأخذ من سان فرانسيسكو مقرًّا لها، في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، ولا تشبه محرّك البحث، إذ أنها غير متصلة بالإنترنت.
بدلاً من ذلك، يقوم مبرمج بشري بتزويده بقدر هائل من البيانات عبر الإنترنت المحفوظة على الخادم.
يمكن لـ”شات جي بي تي” الإجابة على الأسئلة حتى لو لم يسبق له أن رأى سلسلة معينة من الكلمات من قبل، لأن خوارزميته مدربة على التنبؤ بالكلمة التي ستظهر في الجملة بناءً على سياق ما قبلها.
وتعتمد الأداة على المعرفة المخزّنة على الخادم الخاص بها لتوليد الإجابة.
يمكن لـChatGPT أيضًا الإجابة على أسئلة المتابعة، والاعتراف بالأخطاء، ورفض الأسئلة غير المناسبة، وفقًا لما تقوله الشركة المطوّرة. ويمكنك تجربته مجانًا أثناء قيام صانعيها باختبارها.
اهتمام طبي قوي
رغم توفّر برامج الذكاء الاصطناعي منذ فترة، إلا أنّ هذا البرنامج أثار الكثير من الاهتمام لدرجة أن الممارسات الطبية، والجمعيات المهنية، والمجلات الطبية قد أنشأت فرق عمل لمعرفة كيف يمكن أن تكون مفيدة، وفهم القيود والمخاوف الأخلاقية التي قد تسبّبها.
وقام الدكتور فيكتور تسينغ، من مجموعة Ansible Health، بتشكيل فريق عمل معني بهذه القضية.
وتسينغ يشغل منصب المدير الطبي للمجموعة التي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها، ومؤلف مشارك في الدراسة التي أظهر فيها احتمالية اجتياز “شات جي بي تي” اختبار الترخيص الطبي.
أوضح تسينغ أنّ زملاءه بدأوا باختبار تقنية “شات جي بي تي” العام الماضي، واللافت أنّ الأداة تمكنت من إعطاء تشخيص دقيق للمرضى التخيليين ضمن سيناريوهات افتراضية.
وقال تسينغ: “لقد ذُهلنا حقًا من البلاغة والانسيابية في إجابتها لدرجة أننا قررنا أنه يجب علينا بالفعل إدخالها في عملية التقييم الرسمية لدينا والبدء باختبارها وفقًا لمعيار المعرفة الطبية”.
وكان هذا المعيار هو الاختبار المكون من ثلاثة أجزاء، والذي يتعين على خريجي كليات الطب في الولايات المتحدة اجتيازه للحصول على ترخيص لممارسة الطب، الذي يعتبر عمومًا واحدًا من أصعب المهن، إذ لا يطرح أسئلة مباشرة بإجابات يمكن العثور عليها بسهولة على الإنترنت.
ويختبر الامتحان العلوم الأساسية، والمعرفة الطبية، وإدارة الحالة، ويقيِّم كذلك التفكير الإكلينيكي، والأخلاقيات، والتفكير النقدي، ومهارات حل المشاكل.
واستخدم فريق الدراسة 305 أسئلة اختبار متاحة للجمهور من اختبار يونيو/ حزيران عام 2022.
ولم تتم فهرسة أي من الإجابات أو السياق ذي الصلة على محرك البحث غوغل قبل 1 يناير/ كانون الثاني 2022، لذلك لن تكون جزءًا من المعلومات التي تدرب عليها “شات جي بي تي”.
وقام مؤلفو الدراسة بإزالة عينة من الأسئلة التي تحتوي على صور ورسوم بيانية، وبدأوا جلسة دردشة جديدة لكل سؤال يطرحونه.
وغالبًا ما يقضي الطلاب مئات الساعات في التحضير للاختبار، وعادةً ما تمنحهم كليات الطب وقتًا إضافيًا لهذا الغرض فقط. لكن لم يسري هذا الجزء من العمل التحضيري على “شات جي بي تي”.
وتمكّن الذكاء الاصطناعي أو اقترب من اجتياز جميع أجزاء الامتحان من دون أي تدريب متخصص، من خلال إظهار “مستوى عالٍ من التوافق والبصيرة في تفسيراته”، وفقًا للدراسة.
وقال تسينغ: “يعد البحث عبر محرّك غوغل أو محاولة اكتشاف الحل من خلال كتاب مفتوح أمرًا صعبًا للغاية.و قد يستغرق الأمر ساعات للإجابة على سؤال واحد بهذه الطريقة. لكن شات جي بي تي كان قادرًا على إعطاء إجابة دقيقة بنسبة 60% من الوقت بتفسيرات مقنعة في غضون خمس ثوانٍ”.
من جهته، أشار الدكتور أليكس ميتشابر، نائب رئيس امتحان الترخيص الطبي الأمريكي في المجلس الوطني للفاحصين الطبيين، إلى أن نتائج “شات جي بي تي” الناجحة لم تفاجئه.
وقال: “إن المواد المدخلة هي في الحقيقة مُمثّلة إلى حد كبير للمعرفة الطبية وتعد من نوع الأسئلة متعددة الخيارات التي من المرجح أن ينجح فيها الذكاء الاصطناعي”.
وأوضح ميتشابر أن المجلس المجلس الوطني للفاحصين الطبيين يختبر أيضًا تقنية “شات جي بي تي” مع الامتحان. ويهتم الأعضاء بشكل خاص بالإجابات التي أخطأت التقنية بالإجابة عليها، ويريدون فهم سبب ذلك.
أداة لتحسين أداء الأطباء؟
أشار تسينغ إلى أنّه يعتقد أن شات جي بي تي يمكنه تعزيز الممارسة الطبية بالطريقة ذاتها التي مكنت بها المعلومات الطبية عبر الإنترنت المرضى، وأجبرت الأطباء على أن يصبحوا متصلين بالإنترنت بشكل أفضل، إذ يتعين عليهم الآن تقديم رأيهم حول ما يقرأه المرضى عبر الإنترنت.
ولن يحل شات جي بي تي محل الأطباء، وستستمر مجموعة تسينغ باختبار التقنية لمعرفة سبب حدوث أخطاء معينة، وما هي المعايير الأخلاقية الأخرى التي يجب وضعها قبل استخدامها على أرض الواقع.
مع ذلك، يعتقد تسينغ أنها تقنية قد تجعل مهنة الطب أكثر سهولة. على سبيل المثال، يمكن للطبيب أن يطلب من “شات جي بي تي” تبسيط المصطلحات الطبية المعقّدة إلى لغة يمكن أن يفهمها شخص لم يكمل دراسته الثانوية.
وأضاف تسينغ “أملي الأساسي هو أن يجعلنا الذكاء الاصطناعي أفضل كأطباء ومقدمي خدمات”.