لقرون، كانت إيطاليا أرضًا للنسّاك وملاذًا دينيًا، ينتشر في أرجائها، عدد لا يُحصى من الكنائس، والأديرة، والمزارات والرهبانيات النائية، ومساكن الكهنة، التي ما برحت تشكّل موطئ قدم للمتديّنين الذين ينشدون العزلة، والتأمل، والسلام، والصمت.
ويعود العديد من هذه الهياكل الدينية التي بنيت في العصور الوسطى، على هذه الأرض التي تعتبر مقرًا للكنيسة الكاثوليكية، لكنها تعرض في غالب الأحيان للبيع، وقد تبلغ قيمة بعضها أقل من شقة في المناطق العقارية الرئيسية في ميلانو أو فلورنسا.
في هذا الصدد قال ريكاردو روموليني من وكالة Romolini Immobiliare، شركة عقارية تابعة لدار كريستي للمزادات: “تتمتّع الممتلكات التاريخية ذات الخلفية الدينية، وهيكلها، بإمكانيات هائلة، وجاذبية للأجانب الراغبين بعيش الجانب الروحي لإيطاليا”.
وثمة العديد من المزارات والأديرة معروضة للبيع، لأنه مع مرور الزمن، تبرّعت العائلات الغنية التي ليس لديها ورثة بهذه الممتلكات للكنائس المحلية، التي عادت وتخلت في مرحلة لاحقة عن العقارات، وقرّرت بيعها مجدّدًا للأفراد. في بعض الأحيان تعرضها المؤسسات الدينية للبيع لأسباب تتعلّق بالنفقة”. وقد بيع أخيرًا أحد هذه الأديرة لعائلة أمريكية باعتباره “ملاذًا خاصًا”.
تجربة شبه دينية
هل تجتاحك رغبة كي تكون المالك الجديد؟ تبيع وكالة روموليني حاليًا فيلا فخمة في قرية كالدين الواقعة على قمة تل توسكانا القريب من فلورنسا، تحيط بها بساتين الزيتون والتلال الخضراء.
بُنيت كملكية لكاهن الرعية المحلي، وسكنها لاحقًا رهبان دومينيكان، ثم أعيد تصميمها خلال عصر النهضة. القصر مرفق بكنيسة غير مكرسة، كاملة مع اللوحات الجدارية، والمنحوتات، وبرج الجرس. كانت كنيسة القرية ذات يوم، حيث يقيم فيها المالكون الحاليون الاحتفالات والحفلات الموسيقية.
تعرضها المالكة ماريا سيلفيا باباي للبيع لقاء 2.35 مليون يورو (2.55 مليون دولار). وقالت لـCNN: “استغرقت 10 أيام لشراء هذا المكان من 10 كهنة مختلفين كان لكل منهم حصة. لقد أدهشني جمال العقار على الفور، رغم أنه كان يتداعى عندما اشتريته في الثمانينيات. فالحدائق والأشجار التي يبلغ عمرها قرونًا والمناظر رائعة. رغبت بمنزل ريفي وعشت هناك مدة 35 عامًا”.
أعادت باباي تصميم المبنى الذي يقع في منطقة سكنتها قبائل قديمة، ضمنًا الأتروسكان، وكانت مسرحًا للعديد من المعارك. قاتل الرومان ضد البرابرة هنا في القرن الخامس ميلادي، وتصدت القوات التوسكانية الموالية للبابا ضد أعدائهم بعد ثمانية قرون.
يتميز المبنى الرئيسي الذي تبلغ مساحته 5 آلاف قدم مربع، والمؤلف من خمس غرف نوم، حيث عاش الكاهن، ببوابات حجرية أصلية، ومدافئ، وديكورات من عصر النهضة، وأرضيات من الطين، وعوارض خشبية.
كيف انتقلت عائلة أمريكية إلى إيطاليا؟
تحتوي الكنيسة الملحقة على جدران وأقواس جدارية منحوتة بدقة في حجر بيترا سيرينا من قبل نحاتين رئيسيين، وهو حجر محلي رمادي مستخرج من المحاجر القريبة.
الفيلا محاطة بحديقة تبلغ مساحتها 12 فدانّا، وتغطيها أشجار السرو والصنوبر البحري والبلوط وأشجار الخليج. وتنتج أكثر من 700 شجرة زيتون زيتًا عضويًا لذيذًا.
حديقة رهبانية خاصة
إذا كان هذا يتجاوز راتبك، مقابل 1.38 مليون يورو (1.5 مليون دولار)، يمكنك شراء دير فرنسيسكان بمساحة 10 آلاف قدم مربع في منطقة شيوشياريا (Ciociaria) البرية التي تقع بين نابولي وروما.
إنها تابعة لقرية شاعرية على قمة تل، يفضل أصحابها عدم ذكر اسمهم لأسباب تتعلق بالخصوصية. ومع ذلك، فهي بالقرب من مدينة فروزينوني.
تشتهر شيوشيارا بمواقعها الدينية، وهي متاهة من الصوامع والكنائس والمقدسات.
لطالما قيل إنها كانت مفترق طرق للحجاج، والقديسين، ومختلف الرهبان. وتقول الأسطورة أنه حتى رئيس الملائكة ميخائيل ظهر هنا مرة واحدة لوقف معركة دامية.
يحيط بالدير حديقة بانورامية خاصة، تُستخدم حاليًا كمساحة للمناسبات، لكنها صالحة للسكن بالكامل وتحتاج إلى الحد الأدنى من الإصلاحات اللازمة لتجميلها. أدى التجديد الشامل الذي خضعت له عام 2022 إلى ترقية الجدران والسقوف.
تتألف من 10 غرف نوم وثمانية حمامات وقبو تخزين، مع أرضيات تراكوتا أصلية وعوارض خشبية وسقوف مغطاة.
أما النقطة الأبرز فهو الدير الداخلي الذي يضم هيكلًا مغطى بسقوف مقببة حيث يقضي الرهبان ساعات في الصلاة والتأمل، ويطل على الحديقة حيث يخرجون يتجولون فيها يزرعون الأعشاب الطبية. تحت الأرض يمكنك رؤية خزان مياه الأمطار المعاد تصميمه.
وقال روموليني: “هذا الدير هو المثال لكيفية تمرير العقارات الدينية بين الرهبان والأفراد مرات عديدة عبر التاريخ”.
بني الدير من قبل الرهبان على قطعة أرض تبرع بها الأرستقراطيون المحليون، وتم نحتها على سفح تل صخري. احتفظوا بالدير حتى عام 1927، عندما تم التخلي عنه وبات أملاكًا خاصة.
أما المدخل فهو عبر ممر مقبب يحمل شعار الفرنسيسكان. تطل العديد من الحدائق ذات المدرجات البانورامية على الحقول التي ترعى فيها الأغنام.
تشكل الجدران الحجرية الخارجية السميكة للدير جزءًا من التحصينات المحيطة بالقرية، وبداخلها برج مراقبة.
دير داخل أسوار القرية
إذا كانت لديك قدرة أكبر، فهناك دير وكنيسة للفرنسيسكان يعودان للقرن الرابع عشر معروضان للبيع لقاء 2.7 مليون يورو (2.9 مليون دولار) في وادي التيبر العلوي بأومبريا. أومبريا هي بالطبع أرض القديس فرنسيس، والدير استحال حاليًا إلى منتجع بوتيكي يوفر إقامة هادئة، ويقع في منتصف الطريق بين مدينتي جوبيو وشيتا دي كاستيلو. بُني فوق مستوطنة رومانية وبرج لومبارد، ويتميز ببئر قديم وينابيع طبيعية.
وكان الدير تحول إلى معقل مناهض للفاشية خلال الحرب العالمية الثانية عندما اختبأ الثوار المحليون هنا وخططوا لمقاومتهم. بحسب المالكين الحاليين، الذين يرغبون بعدم الكشف عن هويتهم، فقد كان أيضًا ملجأ للقنصل الأمريكي في نيس، فرنسا. تم القبض عليه من قبل الفاشيين ونقله إلى إيطاليا، لكنه تمكن من الفرار، والتحق بالمقاتلين الإيطاليين هنا.
تقول جينيفر جيرالدي، الشريك الأول ومدير المبيعات لدى ليونار (Lionard)، الوكالة التي تتولى عملية البيع: “هذه الأنواع من العقارات التي تتمتع بسحر تاريخي خاص وعظمة هيكلية معينة أصبحت موضع اهتمام متزايد من العملاء الذين يبحثون عن عقارات مرموقة”.
وتابعت أنّ “المساحات الخارجية الكبيرة، والمواقف المهيمنة التي تضمن الخصوصية، سمات مطلوبة بشكل متزايد، لا سيّما منذ الجائحة”.
ويعتبر مثاليًا كمنزل ريفي فاخر، هناك مبنيين موزعين على مساحة 16ألف قدم مربع، مع 10 غرف نوم قياسية وستة أجنحة، ومطعم مع شرفة بانورامية، وحديقة شتوية، وبار، وكنيسة أعيد تصميمها للاسترخاء. تزين الديكورات الداخلية الأثاث القديم والديكور الخشبي والسيراميك المصنوع يدويًا والمصابيح المصنوعة من الحديد المطاوع والأقمشة الفاخرة.
يوجد أيضًا مسبحًأ لا متناهيًا ع مقصورة للتمتع بأشعة شمس اصطناعية، تحيط بها حديقة تتميز بمدرجات وأقواس حجرية.