مرلين وهبة
منذ أحد عشر عاماً، أضاءت السيدة ريما فرنجيه شعلة الأمل في قلوب عائلات كثيرة، بعد افتتاحها مركز التوحّد في الشمال الذي حضن في حينه عشرة أولاد لديهم اضطراب طيف التوحّد. واليوم وفي المكان الأحب إلى قلبها، في مركز الشمال للتوحّد NAC الذي يحتضن أكثر من 400 شخص، بفضل جهودها وجهود فريق العمل واصرارهما الدائم على إحداث فرق في حياة الآخرين، تستقبلنا السيدة ريما فرنجيه بضحكتها المعهودة التي لا تفارق وجهها أبداً.
تلاقينا بتواضع قلّ نظيره لنجول معاً في المركز الذي يضج بالأمل والبسمة والمحبة، فالجميع هنا يتسابق إلى معانقتها ولا يكتفي بالسلام فقط، وهي باندفاعها الكبير وبضحكتها، تتجاوب مع كل غمرة بكل ما لديها من طاقة ايجابية، لتمنحهم الأمل والثقة.
تحدثنا مع السيدة فرنجيه عن الحملة الوطنية للتوحّد التي تطلقها ككل عام في اليوم العالمي للتوحّد، كما تحدثنا عن التحدّيات والمعوقات وبرامج العمل التي أطلقها مركز الشمال للتوحّد وتحدثنا ايضاً … في السياسة.
بين الماضي والحاضر نسأل ريما فرنجيه:
• قلتِ منذ عشر سنوات لـ«الجمهورية»، انّ دمعة أم أنزلتك إلى الميدان، فماذا يعيدك اليوم إلى الميدان، الأمهات ام الرئاسيات؟
– بالطبع ليست الرئاسيات. نحن إن أنزلتنا «دمعة» أم في 2012، فاليوم تُنزلنا «دموع» وطن بكامله، ولو كنا مقلّين في إطلالاتنا الاعلامية، إلّا اننا وبعد افتتاح مركزنا منذ 11 عاماً، نشارك كعادتنا كل سنة، بالحملة العالمية للتوحّد، ونطلق حملتنا الوطنية في بداية شهر نيسان للتوعية والإضاءة على موضوع التوحّد». وتضيف: «القصة بدأت مع حالات قليلة وصارت بالمئات والآلاف وهذا ما يحرّكني، وما يدفعنا إلى المثابرة والعمل وعدم الاستسلام رغم كل الظروف والتحدّيات.
• ماذا تخبريننا عن الإنجازات خلال الاعوام التي مضت؟
– في العام 2014 كان يضمّ مركزنا 40 تلميذاً، أما اليوم فيضمّ 400، وما زال هناك 800 شخص على لائحة الانتظار. خلال هذه السنوات، حوّلنا قصص اليأس في المركز إلى حكايات نجاح، وجنّدنا طاقاتنا وخبراتنا لدعم تلاميذنا وعائلاتهم وتمكينهم ودمجهم في المجتمع، وتوعية الجميع على طيف التوحّد. فالشخص الذي لديه تَوحّد هو شخص يملك حقوقاً وواجبات كأي فردٍ آخر في المجتمع. دورنا هو في المطالبة بهذه الحقوق والدفاع عنها وتطبيقها، والأهم هو اكتشاف قدراتهم وتظهيرها من خلال مواكبة يومياتهم والعمل معهم على مختلف الأصعدة، على أمل ان نحقق نقلة نوعية في نهاية كل سنة. ونشكر الله اننا حققنا إنجازات رائعة، بحيث تحوّلت حياة وظروف عائلات عديدة في مركزنا، بفضل تفاني فريق العمل، إلى واحات أمل تعد بمستقبل أكثر استقلالية، إستقرار وتقدّم.
• كيف تموّلون برامجكم؟
– نحن فعلاً نعاني ونشعر مع الاهل الذين لديهم مشكلات مادية، ونتفهم أوضاع وزارات الشؤون والتربية والصحة، فنحن من أبناء هذا البلد ونعرف الضائقة التي يمر فيها، ونعترف انّه عندما حلّ الانهيار لم نلتجئ إلى كل تلك الوزارات، ولم نفكر ولا لحظة في التوقف او الإقفال، في وقت أقفلت مراكز عدة في لبنان واعلنت عدم قدرتها على الاستمرار، الّا اننا بكل ثقة نعلن اليوم اننا نستمد دعماً وتمويلاً من الاغتراب اللبناني ومن الأيادي الخيّرة، خصوصاً انّ اصحابها يشعرون انّ مساهمتهم أحدثت فارقاً وتقدّماً ملحوظاً في تحديث المركز ومساعدة مئات العائلات.
وتشير فرنجيه إلى عدد ضئيل من الأهالي القادرين على تغطية بعض الاقساط، الّا انّ 90% من التمويل يؤمّنه الاغتراب اللبناني.
ولا تتردّد السيدة فرنجيه في شكر تلك الأيادي البيضاء التي تبرعت بتشييد بناء اضافي لضمّ عدد اكبر من المستفيدين.
• عن أبرز برامج الجمعية الوطنية للتوحّد:
– مركز الشمال للتوحّد NAC
– مركز الشمال للتشخيص والتدخّل
– برامج الدمج بالمدارس الاعتيادية
– NAC l›atelier
– Access office، وهو برنامج الدمج في جامعة الروح القدس في الكسليك.
– NAC Speak up
– ما هدف الحملة السنوية للجنة الوطنية للتوحّد هذه السنة؟
– هذه السنة، هدفنا تسليط الضوء على احترام الإختلافات والدعوة لتقبّلها واحتضانها وإزالة جميع الحواجز وإنشاء مجتمع متاح للجميع للمشاركة الكاملة والازدهار، لأنّ الجميع يشعر بأنّه مشمول ومحترم ولديه ما يحتاج إليه للنجاح.
• ماذا عن فيرا ومدى تفاعلها مع نشاطات المركز ومع الاولاد؟
– تتشارك ابنتي فيرا في صفها مع تلميذ يستفيد من برنامج الدعم الذي نقدّمه ونطبّقه في احدى المدارس الاعتيادية، وقد أضافت لها هذه التجربة بعداً انسانياً وتفهماً عميقاً وحباً كبيراً لهؤلاء الأشخاص الرائعين.
• لماذا ابتعدتِ عن الاعلام، خصوصاً انّ إطلالاتك الإعلامية تساهم إلى حدّ كبير في التوعية حول مقاربة موضوع التوحّد؟
– صحيح جداً ما تقولينه، ولكن لا يمكن نسيان ما حصل في لبنان منذ الـ2019 حتى اليوم، فالثورات وكورونا والوضع الاقتصادي وكل ذلك أبعدنا عن الاعلام وليس عن العمل، فعملنا في مركزنا بصمت وحققنا الكثير، الّا انّ أولويات الوطن والمواطنين في حينها كانت في مكان آخر، لذلك لم تكن أولويتنا الإضاءة على عملنا بل العمل المستمر وتحدّي كل الظروف لتحصين مجتمعنا من رواسب الأزمات المتتالية، ولم نغفل يوماً عن حاجات المركز وتلاميذه وعائلاتهم، والبرهان أنّه اصبح لدينا اليوم سفراء لمركز الشمال للتوحّد في لبنان وفي كل انحاء العالم، وكلهم على تواصل دائم معنا، وهم يحملون معنا الشعلة لتكملة الرسالة.
والجمعية على تواصل مع كافة الجمعيات في لبنان التي تهتم بموضوع التوحّد، وقد حوّلنا المركز لجمعية وطنية لتوحيد طاقاتنا ومطالبنا وأهدافنا.
• حدثينا عن 2 نيسان وهو «اليوم العالمي للتوحّد»، ماذا عن الشعار، وهل صحيح انّ شعار الحملة لهذه السنة هو «الحب» فاخترتم مجسم «القلب» ملوّناً؟
– صحيح، نحن اخترنا «القلب» لأنّ الحب يكسرالحواجز، وهذه المرّة لم يكن المجسم أزرق كالعادة بل ملوناً، لأننا في حاجة إلى كل الالوان لتكمل لوحة الحياة. فالحب هو حب الوطن وحب الآخر وحب المساعدة وقبول الآخر كما هو باختلافاته وبظروفه وبآرائه وبمعتقداته الشخصية والدينية والسياسية، ولا شيء يمكنه إنقاذنا من النفق الأسود سوى الحب، نبدأ بالحب ونستمر في العمل الجدّي والمثابرة وكسر الحواجز، إنما تحت مظلّة الحب. فعندما تقولين «حب» تبتسمين على الفور.
رئاسيات!
• هل اصبحت ريما فرنجيه 100% زغرتاوية، خصوصاً اننا نراها ملمّة ايضاً بالسياسة؟
– طبعاً زغرتاوية قلباً وانتماءً. أعشق هذه المنطقة واهلها، هي بلدتي وانا ابنتها واشعر بانتماء قوي يجعلني «أذوب» بها وببيوتها وطبيعتها وتقاليدها، وفخورة من قلبي بما قدّمته لإهدن وزغرتا، وأتمنى تقديم المزيد.
واجهنا تحدّي الانهيار الاقتصادي والصحي المزدوج، إلّا انّ جمعياتنا اصبحت متعدّدة المهام والاهداف، وتحوّلت مشاريعنا حين اقتضى الوضع الاقتصادي إلى المواضيع البيئية، بدءاً من موضوع فرز النفايات من المصدر وصولاً إلى تعزيز فكرة الزراعة وتطويرها وإنماء المناطق الريفية وتعزيز قدرات النساء والشباب ودعم مشاريعهم الخاصة وتسويق منتجاتهم وتدريبهم. وقد ساعدتنا في هذا الاتجاه العديد من الدول المانحة.
ثروة لبنان الحقيقية هي ناسه وطبيعته، لذلك نعمل جاهدين على إنماء السياحة الريفية بجميع أشكالها، عبر العمل مع مختصين وخبراء في هذا المجال وفنانين شباب خلاّقين لتطوير رؤيتنا.
• هل هنأكِ سليمان بيك بعد تكريمك في يوم المرأة العالمي وقدّم لك الزهور؟ ام ما زال على عادته؟
– تضحك وتجيب: طبعاً بارك لي. فهو داعمي الأكبر في الحياة والعمل، ونتشارك معاً الأحلام والمشاريع، الّا انّه لم يقدّم لي الورود، وهو يردّد دائماً انّ «حرج اهدن كله امامي». وتعلّق ضاحكة على موضوع الورود: «لقد نضجنا وكبرنا معاً، ونحن نتكامل في كل المحطات، والحياة إلى جانبه أغلى وأجمل هدية في الدنيا».
• عام 2014 قالت ريما فرنجيه لـ«الجمهورية»: «نعم أرى زوجي رئيساً لكل لبنان»، بعد عشر سنوات هل ما زلت تصرّين على رأيك؟
– بالتأكيد وأكثر من اي وقت مضى. فلبنان يحتاج إلى شخص واضح وصريح يملك خطاباً وطنياً عابراً للمناطق والطوائف ورؤية متقدّمة وواقعية، يؤمن بقدرات الشباب وأصحاب الكفاءات والخبرات، المحليين والعالميين، وبدور التكنولوجيا في تطوير كل القطاعات. فهو اول من ادخل نظام الـ Iso إلى الادارة الرسمية عندما كان وزيراً للصحة، وهو يقول دائماً «انّ أي مشروع في استطاعة المسؤول تحقيقه بنجاح إذا لم تكن لديه اي مصلحة شخصية منه».
على الصعيد الشخصي، لديّ ايمان كبير بشخص سليمان فرنجيه. فالإنسان القادر والمتمكّن من تخطّي الألم الشخصي والوجع الدفين بقلبٍ وعقلٍ كبيرين، سيستوعب أيضاً كلّ أطياف الوطن. وهو قد قدّم الأقصى في سبيل وحدة وطنه وعروبته، ولا أحد يستطيع المزايدة عليه في ذلك أو على البراغماتية التي يتمتّع بها، أو على مسيحيّته أو جرأته أو صراحته أو صدقه.
• نأخذ لحظات استراحة فتروي لنا ريما فرنجيه سابقة عن الرئيس سليمان فرنجيه الجد، رواها لها سليمان الزوج عن لسان جدّه إثر استقباله سفيرالاتحاد السوفياتي الذي قال له:
«فخامة الرئيس، انت تتكلم مع سفير لا تغيب الشمس عن ارض بلاده». فأجابه الرئيس سليمان فرنجية: «سعادة السفير وأنت تتكلم مع رئيس لا تغيب الشمس عن شعب بلاده».
وتعلّق السيدة فرنجيه على هذه الواقعة فتقول: «انّ شعب لبنان هو شمس هذا الوطن الذي يؤمن دائماً بالأمل والإيجابية، ولهذا وإن غادروه قسراً فسيعودون لأحضانه».
وترى انّ سليمان فرنجيه يؤمن بهذا الواقع، وتراه اكثر من اي وقت مضى جاهزاً لرئاسة الجمهورية، وجاهزاً لإطلاق ورشة عمل وطنية شاملة لتعزيز مكانة لبنان في العالم.
• هل ترى ريما فرنجيه نفسها سيدة القصر الجمهوري كما كانت في ميدان اهدن؟
– ما يهمني أنا وسليمان هو خدمة لبنان في حال وصلنا إلى قصر بعبدا أو لم نصل. إذا وصل سليمان فسأكون إلى جانبه كما دائماً، وإلى جانب كل لبناني ولبنانية، وبيتنا الكبير سيكون لبنان، وجهودنا وقلوبنا ستنصبّ على مساعدته في استعادة عافيته وإحداث فرق في حياة الجميع. وإن كنا اليوم نمرّ في ظروف صعبة جداً على كل الأصعدة، الّا انّ الطاقات كثيرة والنوايا صادقة والرؤية واضحة.
• عنوان حملتكم في اليوم العالمي للتوحّد هو «الحب بيكسر كل الحواجز»، هل تعتقدين أنّه يمكن ان يسري هذا العنوان على حملتكم الرئاسية ويكون القلب شعارها؟!
– اينما وجد الحب والمحبة وجدت الحياة. وإن اختلفنا في السياسة فحب لبنان يجمعنا دوماً، ويبقى املنا ان ينعكس نور هذا القلب الكبير علينا جميعاً، لاننا ووطننا نحتاج إلى الشراكة في الحب والامل.
• هل تخافين على سليمان فرنجيه في حال وصل إلى سدّة الرئاسة؟
– «أبداً، إتكالنا دايماً ع الله» وعلى محبة الناس الكبيرة. ونقول دائماً «يلي فيه الخير إلنا ولوطننا الله يقرّبو».