الحكومة الصامتة.. أسرار جوهر حيات

 

تشترك تقريباً كل دول العالم، المتطورة، والنامية، في جزئية أساسية وهي حاجتها إلى قياس الرأي العام. بيد أنها تختلف في أسلوب هذا القياس، الا ان معظمها يلجأ «احياناً» فقط إلى قياس الرأي العام عن طريق تمرير خبر ما لصحيفة، أو وسيلة اعلامية، لقياس ردات الفعل تجاه مشروع ما، أو قانون مرتقب أو توجه للدولة، الا في الكويت.. أصبح الأمر حالة شبه دائمة!

فلا يخفى على أحد انه خلال السنوات الأخيرة أصبح المشهد الاعلامي في الكويت فوضوياً، وغير واضح المعالم، ولا واضح التوجه ولا الهدف، وحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي تبث أخبارا دقيقة جداً عن الدولة، وتوهم القارئ والمتابع انها قريبة جداً، جداً، من صنع القرار، لتتساءل مع نفسك، من وراءها؟!

ولا يمكن أن ننكر أن الحرية الاعلامية جزء مما يميز الكويت، فوجود مؤسسات اعلامية تقليدية وحديثة مختلفة أمر محمود، خصوصاً مع هامش الحرية الذي يكفله الدستور وتنظمه القوانين، ورغم أن هناك خدمات اخبارية عديدة رصينة واستطاعت أن تثبت مصداقيتها، فبالمقابل هناك خدمات وحسابات وهمية، وحتى معلومة الهوية، تبث أخباراً على مستوى عال من الأهمية، وتردد باستمرار انها على دراية تامة بكل خفايا المطبخ السياسي، وتبث أخباراً بشكل يومي، عن القرارات السياسية ليتجاوز الأمر من كونه قياساً للرأي العام، تنتهجه الدول أحياناً، ليصبح في الكويت مشهداً معتاداً للغاية، وروتيناً يومياً بدل أن يكون استثناء!

ويأتي هذا المشهد غير الصحي، بكل ما يحمله من أخبار دقيقة عن صنع القرار السياسي، في ظل غياب اعلامي وصمت تام للحكومة التي كأنها ضغطت على «زر السايلنت» مبكراً، فلم تكن تصرح لا قبل استقالتها ولا بعدها، الا في ما ندر، ومن قبل وزراء، هم اختاروا الـ«شو» الاعلامي، بينما تركت الحكومة الساحة الاعلامية بالكامل لهذه الحسابات والخدمات.

ويكفي للتدليل على ذلك ان الناطق الرسمي للحكومة قدم استقالته ديسمبر الماضي، بينما إلى الآن لا نعرف من هو الناطق الرسمي الذي حل محله ولو بالتكليف! بل اننا حتى لا نعرف ان كان هناك ناطق رسمي من الأساس!! وكأن هذا المنصب سقط سهواً من هيكل الحكومة الاداري المتضخم.. رغم انه أحد أهم وأبرز المناصب وأكثرها حاجة ليكون منصباً فاعلاً ومتفاعلاً مع الجمهور، درءاً للاشاعات، وكذلك لبث الأخبار من مصادرها الموثوقة، لكن غاب الناطق الرسمي، فتضخمت أدوار الحسابات الوهمية في مواقع التواصل الاجتماعي.

وللأسف الشديد في ظل غياب المعلومة الحكومية، أصبح الناس يترقبون الأخبار من هذه الحسابات، بلهفة، إلا أن الأمر يبدو سلاحاً ذا حدين.. فماذا لو قررت هذه الحسابات، والتي بنت لنفسها مكانة لدى العامة، أن تبث شائعة ما..؟!

وختاماً، لا يسعنا سوى أن نتساءل: هل بث هذه الحسابات يأتي بالتنسيق مع الحكومة؟ وتحت مظلة قياس الرأي العام الذي شرحناه بالبداية؟ فلو كان الأمر كذلك.. فاسمحوا لي أن أقول للحكومة انها تقيس الرأي العام بطريقة يشوبها اللغط..! نريد حكومة تتحدث.. لنسمعها، لا أن تتناقل الحسابات الوهمية «علومها»!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى