ندوة حول كتاب “لبنان الضرورة والإمتياز” للدكتور حاتم علامي في الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم

ضمن “حملة التربية في مواجهة الإنهيار” نظمت الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم ندوة خاصة بكتاب الدكتور حاتم علامي “لبنان الضرورة والإمتياز” شارك فيها د. منذر جابر، ود. ناصر زيدان، وأدارتها الدكتورة نغم أبو شقرا وذلك في حرم الجامعة-السمقانية، بحضور رجال دين، أساتذة جامعيين وتربويين، فعاليات حزبية وثقافية وصحية، رؤساء إتحادات بلدية ورؤساء بلديات، رؤساء وممثلو جمعيات وأندية، وجمع من المهتمين.

أبو شقرا
إستهلت الندوة بالنشيد الوطني اللبناني، بعدها كانت كلمة إفتتاحية للأستاذة الجامعية والباحثة في العلاقات الدولية الدكتورة نغم أبو شقرا قبل أن تتولى إدارة الندوة، وجاء فيها “إنّ فكر الدكتور علامة في كتابه “لبنان الضرورة والإمتياز” يلتقي بأفكار جبران خليل جبران الذي كان له لبنانه الخاص، والذي أراده حرًّا مستقلًّا تسوده العدالة والمساواة. وهذا ما عبّر عنه الدكتور علامة في كتابه معتبرًا أن لبنان بأمسّ الحاجة إلى ثورة فلسفيّة في مختلف مجالات الحياة، تجمع اللبنانيين حول مفاهيم العدالة والسيادة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان.

ورأت أنّ كتاب “لبنان الضرورة والإمتياز ” يحاكي حاضر لبنان ومستقبله من خلال مقاربة سياسيّة فلسفيّة، فلبنان له طابعه الخاص من حيث الدور والهوية والحضارة والموقع الجيوبوليتيكي المتألّق، وهو ممرّ للإزدهار وحركة التبادل، وهو بلد التنوّع الحضاري وملتقى الأديان والحضارات، وهذا ما يدفعنا إلى القول إن لبنان ولد من رحم الحضارات والشعوب التي مرّت في هذا البلد أو استوطنته تاركة فيه تاريخًا ضخمًا وثقافة بالغة الأهميّة”.

وأردفت “لقد مرّ على لبنان العديد من الصراعات والنزاعات إبتداء″ من الإستعمار والإنتداب إضافة إلى الحروب الداخلية والخارجية وتوالت الضربات على الكيان اللبناني، وضربت  فيه أسس التعايش، فكلّ المؤشّرات أثبتت أن لبنان قدره أن يبقى فوق الألغام، وهذا ما يحذونا إلى أخذ العبر من التجارب السابقة وعدم النفخ بنار الطائفية التي ما إن تشتعل حتى تحرق الأخضر واليابس”، مشيرة إلى “أن لبنان وديعة السماء على الأرض فيه من يقاتل بإسم الدين، وفيه من يقاتل من أجل الدين، وفي كلتا الحالتين يخضع لبنان لسياسة يطغى عليها حساسيّة مفرطة تبقي الوضع على فتيل قابل للإشتعال. أضف إلى ذلك الأوضاع الإقتصادية والسياسيّة والأمنية، فلا نبالغ إن قلنا أن البلد يعيش مرحلة رعب حقيقي، أو أنّه يكافح من أجل البقاء على قيد الحياة”، معتبرة أن كتاب “لبنان الضرورة والإمتياز” يسلّط الضوء على أهميّة التغيير، كون التغيير والفلسفة وجهان لعملة واحدة”، لتقول “أن هذه المقولة تلخّص حكمة “غاندي”: عليك أن تكون أنت التغيير الذي تريده.”

جابر
وتحدث الأستاذ الجامعي والمؤرخ والباحث في شؤون التاريخ وعلم الإجتماع الدكتور منذر جابر فقال “كتاب حاتم علامي هو فصل من حاتم علامي… ونحن اليوم نلتقي على طبق من حبوره لنستذكر معه تاريخا″ عاما″ وليس سيرة خاصة، نلتقي اليوم على طبق من حبور حاتم في سيرته الصدوقة… فحاتم يعصى على تعيينات الصداقة ومراسيمها، فهو في الصداقة يكون آمنا″ أو لا يكون موجودا″ من الأصل”، موضحا″ “أيام إحتدام السياسة وإشتعالها في لبنان حيث كان إحتدام العصبيات، وفي ما كانت جماعات من الأحزاب تتكتل منعزلة هنا وهناك، كان حاتم بهدوئه يمتد في صلاته بين الجميع… ضل حاتم ينتمي إلى كل لبنان، وهذا ما برزه خارج العصبيات والجماعات والطوائف، فهو يريد لبنان وطنا″ عظيما” ويتكلم عنه كبلد عظيم، لذلك بقي مليئا″ بالوطنية لا يزيح عنها، لأن الوطن لديه ليس من حواضر قارعة الطريق نلملمه ساعة الحاجة والمشيئة”.

وقال “حاتم المؤرخ، متأهب دائما″ للبحث… وفي مشاهدته الفلسفية للتاريخ اللبناني، يرى حاتم أن هذا التاريخ في لحظة تأسيسية، ويجهد أن ينطلق دائما″ من نقطة البداية، لأن تاريخ لبنان بحاجة دوما″ إلى إعادة تصويب، بإعتبار أن هذا التاريخ محكوم بأزمة إنتماء وأزمة هوية”، مشيرا″ إلى أن منهج د. علامي  ليس جديدا″ في صياغة التاريخ أو في النقد التاريخي، فهو يستعيد أدواته تلك من منهج عربي قديم في الوقائع التاريخية ودراستها”.

وأضاف “المواضيع التي تناولها المؤلف في مروحته الواسعة تمتد على تحولات البنى السياسية والإقتصادية والإجتماعية في تاريخ لبنان، من رجالات وقادة وفعاليات ومؤسسات وهذا يعني مجموع عامة الناس في تدبر المعيشة والأحوال والسكن… على مستوى الفرد والأسر والعائلات…”، مؤكدا″: “كان الباحث يوصف موقف الأفراد جميعا″ دون تدخل في غالب الأحيان، وكان بذلك حاضر البديهة، واسع الحيلة. فالواجب هنا كل الواجب أن تحفظ حقوق الآخرين في عرض مواقفهم، والحق كل الحق لك أن تأخذ دلالاتك وتقف عليها أو عندها وهذه ميزة أخرى من مزايا هذا العمل بخاصة في أجواء كتابة ما بعد الحرب حيث الفعل الثقافي مبدع دوما″، وهنا مع حاتم، فالكتابة التاريخية تذكر بمسرح، حيث الممثل والجمهور واحد يشتركون في الديكور والضوء وحتى في العرض”.

وختم “ولأن الحرب لم تقدم لنا سوى حطام دولة، سوى حطام مجتمع وحطام سياسة فإن ما نطلبه نحن مؤرخا″ موضوعيا″، رائدا″، موظفا″ كفيا″ وصديقا” صدوقا”، ومكتشفا″… وأظن بأن كتاب حاتم خطوة في هذه الدرب”.

زيدان
وفي مداخلته حول كتاب د. علامي قال الأستاذ الجامعي والباحث والكاتب السياسي الدكتور ناصر زيدان “عندما تُقلِّب أوراق كتاب الدكتور حاتم علامي؛ ترى صورة الكاتب في كل صفحة من صفحاته، يبحث عن القيَّم المضافة للوطن الغالي ليلقي الضوء عليها وسط العتمة الدامسة. وكذلك كان في حياته العملية والآكاديمية؛ فقد حيَّك بالصنارة، وبالخيط الرفيع، ثوباً علمياً ذو مكانة، من خلال الجامعة الحديثة للإدراة والعلوم التي أسسها مع شركاء ومساعدين، زادت المحفظة العلمية للبناننا الحبيب غناً، وساهمت في اتقاء بعض أبنائه وبناته البررة بردَ الجهل والتخلُّف”، لافتا″ إلى أن “الكاتب لا يُخفَ عشقُه للوطن الجريح بمناسبة الإدلاء بدلوهِ عبر كلمات الكتاب القيِّم، فهو عندما ينتقد معاصي التاريخ الكثيرة؛ لا ينسى أن يمحي بعض الشوائب الشائنة، أو يحاول تقديمها بقالبٍ لا يُبين النتوءات السامة منها، وهو يبتعد ما أمكن عن إبراز مظاهر الضغينة والنفور”.

وتابع “عندما تقرأ الكتاب تنفتح أمامك رؤىً لم تكُّن بالبال، والإنسان أحياناً عدوٌ لما يجهل. وبصرف النظر عن التباين الذي يحصل أحياناً، أو لنقل عدم الإتفاق على تشخيصِ بعض المقاربات؛ لكنك تحمد الله العلي القدير بأنك قد اطلعت على ما كتب. فقراءة كتاب الدكتور علامي تغني الذاكرة، وترفع من منسوب مخزون العارفين والمدركين والمتابعين للقضايا التي طرحها”، مستعرضا″ للعناوين التي يتوافق فيها مع الكاتب وتلك الخلافية. كما إنتقد إستشهاد الكاتب بدور إبن تيمية كعلامة بشر بالدور الإسلامي، بالقول “إن ابن تيمية كان من أكثر الأئمة تعصباً وإنغلاقاً وتكفيراً لمن يخالف الرأي في صفوف الفرق الإسلامية، وكان متشددا وغير متسامح اتجاه ابناء الديانات الأخرى. بينما هناك الكثيرين من رجال الفقه أغنوا ثقافة التنوع والإنفتاح على الآخر، وإستندوا بذلك إلى توصيات الرسول الكريمة بإحترام التعددية وعدم التفرقة بين الناس”.

وأكد زيدان “على مقاربة الدكتور علامي والتي أشار اليها في الصفحة 128 في إعتبار أن التسويات هي أفضل أنواع الحلول، لكنها بالفعل تنتجُ أسوأ أنواع الدساتير، وهو ما حصل في العام 1943، وعلى درجة أقل في العام 1989، بحيث تمَّ التأكيد على أن لبنان جزء من محيطه وذو وجه عربي في ميثاق 43، مع الإبقاء على الطائفية السياسية بأبشع حُلَلَها، بينما أنهى اتفاق الطائف في العام 1989 كل الخلاف على هوية الكيان ونهائيته كدولة مستقلة، مؤكداً على أن لبنان عربي الهوية والإنتماء، لكن اتفاق الطائف أبقى الوضع الطائفي على ما هو عليه تقريباً من خلال التأكيد على تقاسُم السلطة مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين، وإبقاء المادة 95 من الدستور التي تتحدث عن تشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية؛ فضفاضة، ومن دون مُقيدات، وهو ما فتح المجال للممارسات الحكمية السيئة”.

وأشار أخيرا″ “إلى أن تعريج د. علامي على الحديث عن دور بعض القيادات المؤثرة في تاريخ لبنان المعاصر لم يكن كافيا″، لا سيما فيما يتعلق بجوانب الدور المتقدم لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، بينما هناك جوانب كثيرة أخرى مهمة من هذا الدور لم يتناولها، لكننا نعرف أن ذلك لم يحصل عن كيد أو عن إهمال على الإطلاق، بل لأن الكتاب ليس مخصصا″ لمعالجة هذه المواضيع، وهو لا يتسع للحديث عن كل دور هؤلاء، وخصوصا″ منهم جنبلاط”.

علامي
وكانت كلمة الختام لمؤلف الكتاب الدكتور حاتم علامي، المتخصص في التنمية والباحث في العلوم السياسيه والإجتماعية، فقال “أردنا في الجامعة أن نواجه بمقولة التربية في مواجهة الإنهيار، وأطلقنا حملة واسعة بهدف أن يمتد هذا الشعار، لأننا واثقون بأننا لسنا الوحيدين في هذا الطرح، لذلك كان إطلاق كتاب “الضرورة والإمتياز”، متطرقا إلى الشق الفلسفي السياسي والإجتماعي والذي هو تحليل في البنى السياسية والإقتصادية والإجتماعية،
كما عرض لتطور الفلسفة السياسية وتفاعلاتها الإجتماعية، وتوضيح العلاقة بين الفلسفة السياسية وعلم السياسة، كما التأسيس لمقاربة فلسفية سياسية وإجتماعية.

وتناول د. علامي ثلاثة عناوين للتعامل من خلالها مع لبنان: العنوان الأول “لبنان أكثر من كيان وأقل من وطن”،، إذ ليس هناك من إجماع على تفسير مفهوم الكيان، فقد اختلفت المعايير ولكن لبنان هو كيان موجود بالفعل وبالقوة، ولكن السؤال هل يكون موجودا″ بالضرورة ؟ هنا يمكن التحدث عن الهوية الوطنية، الإنتماء والمواطنة، فإذا إجتمع هذا الثالوث تكون هناك فعلا″ قناعة بأن هذا الوطن هو للجميع، ثانيا “لبنان البلد المفتوح على السماء والمحاصر في الجغرافيا، إذ ليست هناك من بلدة في لبنان لا يوجد فيها مزار، فالمسألة تتعلق في تحول الدين من رسالة إلى مؤسسة تمارس الرسالة الدينية بأبهى صورها غير أنها في المبدأ مؤسسة سلطوية”، مشيرا″ إلى أن السلطة اليوم ليست سلطة القمع بل هي مفاهيم الإمتداد التي تتغلغل في كافة خلايا المجتمع، ثالثا″هناك لبنان “الجيوبوليتيكي المتألق”، فهو الكيان الذي تتربع الجغرافيا السياسية على عرش هويته وطبيعة النظام الذي شكل ترجمة للدور الإقليمي والذي تمحور حوله الإهتمام السياسي والإقتصادي”.

كما تحدث عن لبنان الصيغة التي فشلت في بناء وطن وبناء دولة نطمح إليها بفعل مجموعة من المؤشرات، المؤشر الأول والطاغي هو الطائفية، المؤشر الثاني وهو عدم مشاركة الشباب في إدارة الحياة السياسية العامة والمؤشر الطبقي ومصلحة طبقات معينة في إستمرار النظام الطائفي، لافتا″ إلى أن عملية التغيير هي عملية متشابكة وشائكة.

وتطرق إلى مفاهيم لها علاقة بالوطن كمفهوم الأرض “يتحدث البعض عن هذا الموضوع كونه موضوعا″ مصيريا″ ولا طائلة لقيام أي أمة أو قومية أو دولة بدونه”، ليخلص إلى القول “لبنان سمه ما شئت من أوصاف، طائر الفينيق، أو أرض الفداء أو وطن الرسالة، وهو الوطن الذي قهر إسرائيل العدو الذي لا يقهر، لذلك لا بد من البحث عن خط جديد ومسار جديد، فالتغيير حقيقة منفتحة على معاني التغيير ومعاني المعرفة، وبين هذه وتلك عقبات حري بالفلسفة أن تنير إلى تقويضها”.

في ختام الندوة وقع د. علامي كتابه الذي وزع مجانا″ على الحاضرين

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى