في أكتوبر عام 2017، شارك أول إنسان آلي في فعالية بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، وتحدثت الروبوت “صوفيا” أمام الحضور خلال جلسة حول التنمية المستدامة في عصر التطور التكنولوجيا السريع، وروّجت السعودية كثيرًا للروبوت بل ومنحته الجنسية في خطوة هي الأولى من نوعها.
يحاكي الروبوت ذكاء البشر وصممته شركة “هانسون روبوتيكس” ويحاكي ويتأقلم مع السلوك البشري، ودعته السعودية لمؤتمر حول “استثمار المستقبل” في سعيها نحو الترويج لنفسها واستراتيجيتها بخصوص التطور الرقمي.
منذ ذلك الحين، بات الذكاء الاصطناعي حديث الأوساط سواء السياسية أو الاقتصادية وغيرها، بعدما تم تطوير تطبيقات تحاكي الذكاء البشري أو تتفوق عليه، لدرجة أن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أعلن خلال زيارة إلى واشنطن الأربعاء، أن بلاده سوف تستضيف قمة خلال هذا العام بخصوص الذكاء الاصطناعي.
وقال بحسب فرانس برس: “للذكاء الاصطناعي إمكانات مذهلة لتغيير حياتنا إلى الأفضل، لكن علينا أن نتأكّد من أنه يطوَّر ويُستخدم بطريقة آمنة”.
أين العرب؟
قالت الباحثة في مجال الذكاء الاصطناعي، سالي حمود، إن هذه التكنولوجيا تتطور بدرجة كبيرة جدًا، وفي العالم العربي هناك تباين كبير بين الدول في تعاملها مع الذكاء الاصطناعي، حيث هناك دول مثل السعودية والإمارات وقطر تتقدم بسرعة كبيرة في هذا المجال، وأضافت في تصريحات لموقع الحرة: “البلدان الأخرى متواضعة في هذا المجال”.
ولفتت إلى أن الدول الثلاث المذكورة تمتلك حكومات “تتبنى استراتيجيات تسعى إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط.. وبدأت في الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي بمجالات مختلفة بينها الصحة والتعليم والإعلام والصناعة والقطاع المالي أيضًا”.
كما أوضحت أن السعودية والإمارات وقطر استثناء بالنسبة للدول العربية الأخرى في هذا المجال، حيث بدأت في استقطاب المواهب وتهيئة البنية التحتية وجذب استثمارات كبيرة في هذا المجال، بجانب الاستراتيجيات الحكومية الواضحة في هذا الشأن.
بحسب البوابة الرسمية لحكومة الإمارات، فإن الدولة تمتلك استراتيجية للذكاء الاصطناعي أطلقتها في أكتوبر عام 2017، تهدف إلى “تعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل، الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100% بحلول عام 2031، الارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وخلق بيئات عمل مبتكرة”.
كما تسعى لأن “تكون حكومة الإمارات الأولى في العالم، في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية، خلق سوق جديدة واعدة في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية”.
وبالنسبة للسعودية، فإن الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) تعمل على استراتيجية تهدف بحلول عام 2025 إلى “بناء الأسس لميزة تنافسية عن طريق التخصص في مجالات محددة”، وبحلول 2030 تبدأ “التنافس على المستوى الدولي والانضمام إلى الاقتصادات الرائدة التي تستفيد من البيانات والذكاء الاصطناعي”.
كما تعمل الرياض على جذب استثمارات في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي بحلول 2030 بقيمة تصل إلى 75 مليار ريال (20 مليار دولار).
وحددت قطر في استراتيجيتها الوطنية بشأن مستقبل الذكاء الاصطناعي، أنها تسعى إلى “نشر الذكاء الاصطناعي في جميع نواحي الحياة والأعمال والحوكمة في البلاد، حتى يتطلع الجميع إليها باعتبارها نموذجًا يحتذى به للانتقال بسلاسة إلى مستقبل قائم على الذكاء الاصطناعي”.
وتعمل الدوحة على التحول إلى مركز عالمي لجذب مواهب الذكاء الاصطناعي، وتشجيع الأعمال التجارية المحلية على تبني حلول جديدة قائمة على هذه التقنية، والاستثمار في الأشخاص وفي أفكارهم عن مستقبل قطر على التدريب والتجارب وصناديق المشاريع الناشئة، بحسب الاستراتيجية الوطنية لقطر المنشورة على الموقع الرسمي للحكومة.
لماذا التخلف عن ركب التطور؟
تواصل حمود حديثها للحرة، وقالت إن التحول في هذه البلدان صار ظاهرًا لنا، لكن الدول العربية الأخرى تتراجع في هذا المجال بسبب الأزمات التي تمر بها اقتصاديًا وسياسيًا، بجانب البنى التحتية الصعبة التي لا تسمح بالعمل والتطور في هذا المجال.
ولفتت أيضًا إلى أن هناك أزمة أخرى تتمثل في أن اللغة العربية تعد “من أصعب اللغات التي يتم استخدامها في الذكاء الاصطناعي، بسبب تعقيد تركيبة اللغة واختلاف اللهجات في الدول”.
كما لفتت إلى أن هناك مشكلة أخرى تكمن في خصائص الجمهور العربي “الذي يعاني من فجوة رقمية وتعليمية مقارنة بأوروبا وأميركا”، وطالبت بوجود استثمار كبير في التعليم في هذا المجال وكيفية استخدام التقنيات الرقمية.
ويشهد مجال الذكاء الاصطناعي تطورًا لافتًا في الآونة الأخيرة، وتزايدت المخاوف من أنظمته التي قد تتجاوز ذكاء البشر، أو تخرج عن السيطرة، مع ظهور جيل جديد من برامج محادثات الذكاء الاصطناعي عالية القدرة مثل “تشات جي بي تي”، بحسب أسوشيتد برس.
وكان أكثر من ألف باحث وخبير في التكنولوجيا، بينهم مالك تويتر وتسلا، إيلون ماسك، قد وقعوا خطابا مطلع العام الجاري، دعوا فيه إلى وقف تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي لمدة 6 أشهر لما قد تمثله من أخطار كبيرة على المجتمع والبشرية بأكملها.
كما حذر علماء آخرون من تهديد هذه التقنية بـ”انقراض” البشرية، وأنه يجب مواجهتها مثلما يتم مواجهة الجائحات والحروب النووية، بسبب درجة خطورتها.
وبدأت دول العالم في اتخاذ خطوات من أجل صياغة لوائح وقواعد متعلقة بتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وسبق للرئيس الأميركي جو بايدن أن حض الكونغرس على إقرار قوانين تضع قيودا أكثر صرامة على قطاع التكنولوجيا.
كم نحتاج لمنافسة الدول الرائدة؟
ترى حمود أنه من الصعب السؤال على الفترة الزمنية التي تحتاجها دول عربية من أجل منافسة الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وقالت للحرة: “الإجابة صعبة لكن الحديث بين الباحثين والمراقبين يشير إلى أننا نحتاج أقل من عقد لمواكبة التطور في تطبيقات الذكاء الاصطناعي”، وتشير هنا إلى الدول التي اتخذت خطوات كبيرة بالفعل في هذا الجانب مثل الإمارات والسعودية وقطر.
وأوضحت أن الدول الثلاث “تطورهم سريع جدا واستثماراتهم كبيرة، لا يحتاجون إلا لنحو عشر سنين لملاحقة البلدان الأكثر تطورًا”.
لكنها شبهت الأمر بما كان عليه الوضع إبان سباق التسلح بين الدول الكبرى قديمًا، وقالت إن الحكومات حول العالم حاليًا تسارع لتطوير نفسها في هذا المجال من أجل حماية نفسها من أخطاره.
وتابعت: “يعود الأمر إلى الدول نفسها ورؤيتها وأين تريد أن تصل، ولكن لو نظرنا إلى 8 سنين للخلف هناك دول فرضت نفسها على المجال مثل الإمارات والسعودية”.