أتكلم عن أطفالٍ وُلدوا في القرن الماضي .. وأكتب بلهجتهم .. لهجة مدينة حلب.
أتكلم عن “جوجو” وهو تصغير جورج و “حمودة” وهو تصغير كل من “أحمد ومحمد ومحمود”، و “سعدو” اسم دلع سعد وسعيد وغيرها من الأسماء.
لم تفرِّقنا وتقسِّمنا العمامات والقلانس .. وكنّا بكل محبة نتراكض لنقبِّل أياديهم فترى حمودة يقبّل يد الكاهن و”طوني” يقبل يد الشيخ.
أتكلم عن صبيانٍ تملأ جيوبهم “الكلال” البللورية ليلعبو بها “طقش وتشبير”.
أتكلم عن بناتٍ يحملن في جيوبهن “الكعب” والطباشير ليرسموا على الأرصفة ملعب لعبتهم.
من منّا لم يضع رأسه تحت “المزراب الحجري” أيام المطر ليغسل رأسه الصغير؟
من منّا من لم “يطبّش” بأقدامه في برك الماء الصغيرة الموجودة على الأرصفة؟
من الذي لم يلعب لعبة “جحشة طويلة” و “طفّ ونيخ”؟
من منّا لم يمصّ البرتقالة من ثقب صغير ثم يضعها في الشارع بانتظار دواليب سيارةٍ تمر عليها لتهرسها والجميع يضحك ضحكات طفولتنا الشقية؟.
نكبس أزرار الأجراس في مداخل الأبنية وعندما يخرج أصحاب البيوت نقول لهم بكل براءة أن ولداً ضرب الجرس وهرب.
هذه هي ثوابتنا الوطنية نحن أطفال حلب الذين وُلدوا منذ عشرات السنين.
من مِن هؤلاء الأطفال -مسيحيين أو مسلمين – من لم يحصل على سكاكر من الراهب “فرير جورج” في معهد الفرير أو الأخوة؟
هذه هي ثوابت أطفال حلب والتي هي صورة عن كل أطفال سورية.
من لم يلعب “بالصيّاح” من الصبيان ونط الحبل من البنات؟
من لم يأكل من سندويشات رفاقه؟
كنّا نخالف أهالينا في السر .. فقد أخبرني صديق تجاوز الثمانين بأن والدته تضع له سندويشة الشوكولا وكان هو يحب “قمر الدين” المشهور في سورية، فيقوم بمبادلة طعامه مع “سندويشة قمر الدين” لأحد رفاقه.
بعض الرهبان كانوا أجانب وكانوا يوزِّعون لنا السكاكر ولا يفرّقون بين مسلم ومسيحي.
وفي الحرب العالمية التكفيرية على سورية جاءنا أجانب يوزّعون الموت علينا ولكن للشهادة .. فهم لا يفرّقون بين المسلم والمسيحي.
ثوابت أطفال سورية عامةً وحلب خاصةً، نجحت في مجابهة الموت القادم إلينا.
دعونا نحيي ثوابتاً حَمَتنا ودافعت عنّا
اللهم اشهد اني بلغت