أثار بعض النشطاء الحقوقيين في مصر مؤخرا مسألة “الطلاق الغيابي”، معتبرين أنه بمثابة “كارثة اجتماعية” تهدد استقرار الكثير من العائلات وتعصف بسلامتها.
وأوضحت رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، نهاد أبو القمصان، أن قضية الطالبة، منة الله عماد، التي حازت على المركز الأول في المرحلة الإعدادية بمحافظة كفرالشيخ رغم تخلي والدها عنها بعد الطلاق الغيابي لوالدتها، قد جاءت لتنبه الجميع بمخاطر هذا النوع من الطلاق، وفقا لكلامها.
ونقلت صحيفة “المصري اليوم” عن أبو القمصان قولها إن فكرة الطلاق الغيابي “كارثة كبيرة”، مضيفة: “الأمهات والأطفال ليسوا مناديل ورق نرميهم في الشارع بعد التخلي عنهم”.
وشددت على أن الأب الذي لا يشغله أولاده ليس له بر منهم بعد ذلك، مضيفة: “والد الطالبة منة الله عماد (المقيم خارج البلاد) سننتظره بقضية نفقة”.
وكانت قصة الطالبة عماد قد أثارت إعجاب العديد من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ عانت من ظروف قاسية وكانت تعيش في شقة خالية من المنقولات (الأثاث) بعد انفصال والديها، إلا أن هذا كان بمثابة دافع لها للتفوق، بحسب موقع “القاهرة 24″.
ولقبت تلك الفتاة بـ”طالبة الجردل” لأنها كانت قد جعلت من جردل (دلو) طاولة للدراسة لشدة العوز الذي كانت تعاني منها عائلتها بعد أن “تخلى الأب عن القيام بالتزاماته المادية”، عقب تطليقه والدتها غيابيا بينما هو يقيم في إحدى دول الخليج.
وقالت منه الله إن والدها لم يتواصل معها منذ ست سنوات عقب انفصاله عن والدتها، حيث أنه لم يبارك لها على نجاحها في الشهادة الإعدادية، قائلة: “والدي لا يتصل بي وحظرني من التواصل معه عبر منصات التواصل الاجتماعي، فقط لأني قلت له إننا نعيش في شقة خالية من الأثاث”.
“حق محفوظ”
من جانبه، أوضح المحامي والحقوقي، الدكتور هاني سامح، في تصريحات إلى موقع “الحرة” أن “الزواج والطلاق الشرعي في مصر والذي تعتمده الدولة وتوثقه، دون سواه، وفق ما تراه وتميل إليه من المذاهب الدينية يشكل أصل والسبب الرئيسي للمشاكل التي تواجه الأسر والعائلات”.
وذكر أن “النظرة الذكورية الدينية لتلك القوانين، والتي تمنح حق الطلاق الغيابي والشفهي للزوج وحده، عصفت باستقرار وسلامة الكثير من العائلات والأبناء خصوصا وأن القانون الشرعي لا يمنح الزوجة سوى الفتات من الحقوق المادية لو أثمرت الزيجة عن أبناء، ولا يمنحها شيئا حال عدم إنجابها”.
وأما المستشار في محكمة النقض، المحامي، أشرف فرحات، فيرى أن الطلاق الغيابي ملموس ومتواجد في مصر والعديد من البلدان العربية، ولكنه غير متفش، على حد تعبيره.
وأضاف في حديثه إلى موقع “الحرة” أن “الطلاق الغيابي هو حق مكفول للزوج تماما كحق الزوجة في تطليق شريك حياتها خلعا دون أن يعلم، إذ أن الأخير قد يُفاجأ بأنه انفصل عن زوجته بعد صدور الحكم من المحكمة”.
“كارثة” عاشتها هند
من جانبه، يرى المحامي، سامح، أن ثمة ثغرات في القانون الحالي “قد تمكّن الزوج أو المطلق من إخفاء الطلاق على الزوجة المطلقة للإضرار بها وللتهرب من بعض الحقوق المالية المرتبطة بمواعيد قانونية أو لإذلال المرأة واستغلالها”.
وفي هذا الصدد ذكرت سيدة تدعى “هند”، في حديث مع صحيفة “الأسبوع“المصرية، أنها إحدى ضحايا الطلاق الغيابي، وأن زوجها طلقها دون أن تعلم شيئا عن ذلك لمدة ثلاث سنوات.
وأوضحت “هند” أنها كانت قد طلبت الطلاق بسبب رغبتها في الإنجاب، لتتفاجأ بعدها بأنها كانت تعيش مع زوجها وهي “ليست على ذمته”، مشيرة إلى أنها لم تتلق إخطارا بالطلاق من قبل المأذون أو أي جهة، وتقول: “أكبر كارثة تواجهها النساء هي الطلاق الغيابي”.
وأضافت “فكرت في الانتحار كثيرا، وليست لي رغبة سوى أن أحصل على حقي.. لقد عشت معه أعواما عدة على أساس أني زوجته”.
وهنا يقول سامح إن “الطلاق الغيابي يثير جدليتين، أولاهما صدوره من طرف واحد في عقد بين اثنين، في حين يوجب المنطق والفكر السليم منح هذا الحق لهما مُجتمعَين ومتفقَين أو منحه لكل طرف على حدة وللزوجة بالأخص تحقيقا للمساواة في الحقوق”.
وذكر أن “الجدلية الثانية تتمثل في السماح للزوج في التهرب من التزاماته المتوجبة عليه بعد حدوث الطلاق والانفصال”.
ورأى أن الدولة المصرية “ترغب في بعض التطوير للمفاهيم الدينية المتعلقة بالطلاق، ولكنها تواجه بعقم فكري من قبل المؤسسة الدينية متمثلة في الأزهر”.
في المقابل يرى فرحات: “أن الزوج لن يلجأ إلى الطلاق الغيابي إلا بسبب وجود خلافات بين الطرفين”، مشددا على أن السيدة المطلقة سوف تحصل في نهاية المطاف على حقوقها”.
وشدد فرحات على ضرورة أن “تكون هناك ضوابط لاحقة بعد الانفصال سواء حدث من خلال طلاق غيابي أو بحضور الطرفين.. أي لا بد أن يكون هناك ترتيب للحقوق الناجمة عن الطلاق للزوجة بحيث لا يكون الطلاق الغيابي سبيلا من سبل التهرب للزوج، وبمعنى أصح، إطالة أمد الحصول على تلك الاستحقاقات”.
وفي تصريحات نقلتها صحيفة “الأهرام“، سابقا، قال محمد عزالدين، الأستاذ بكلية الدعوة في جامعة الأزهر: “فتوى الطلاق يجب أن تصدر عن لجنة الفتوى بالأزهر أو دار الإفتاء المصرية، لأن هاتين المؤسستين بهما مختصون على أعلى درجة من العلم والمعرفة بالأحكام الشرعية، كما أنهم يتعرضون للكثير من القضايا الشرعية التي ترد إليهم كل يوم”.
وأضاف: “الذي يتصدى للإفتاء في قضايا الطلاق لابد أن يكون عالما بالقرآن الكريم وتفسيره والناسخ والمنسوخ”.
وكانت هيئة كبار العلماء في الأزهر قد أكدت سابقا أن “الطلاق الشفهي مستقر عليه منذ عهد النبي”، معتبرة أن وقوع الطلاق الشفهي المستوفي أركانه وشروطه والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق “هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي من دون اشتراط إشهاد أو توثيق”، بحسب صحيفة “المصري اليوم“.
وأكد الأزهر في بيان آخر: “على الرأي الشرعي الثابت من وقوع الطلاق الشفوي المكتمل الشروط والأركان، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يوم الناس هذا”.
“الطلاق المدني” أو “لجان متخصصة”
وبالنسبة للحلول بشأن تلك المسألة، يجيب سامح أن “المخرج الوحيد لكل تلك المشاكل الشرعية هو الزواج والطلاق المدنيين بحيث تقوم الأساسات في هذه الأمور على العلم والمنطق الفكري واحترام الآخر” بعيدا عن النصوص الدينية.
من جهتها، أشارت أبو القمصان إلى أن “الطلاق الغيابي انتهى من العالم كله”، وأن الانفصال يجب أن يكون قانونيا أمام المأذون أو القاضي.
وشددت على أن هناك، على سبيل المثال، نظام حماية للطفل في السعودية، وهناك أنظمة حماية من الممكن أن تطبقها الدولة في مصر، متابعة: “من الممكن أن يتم اللجوء للبنك والحصول على قرض من أجل أن تحصل الأم على حقوقها”.
وبالنسبة للمحامي أشرف فرحات، فيرى أنه “يجب على قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي من المتوقع مصادقة مجلس النواب عليه في قادم الأيام أن يراعي ما بعد حدوث الطلاق”.
وأضاف “ينبغي أن تكون هناك جهات تنظم العلاقة بين الرجل والمرأة، بحيث تستطيع الزوجة الحصول على نفقات أطفالها في مواعيد معينة، ومعالجة بقية القضايا الشائكة، مثل الاعتراض على تعليم الصغار في مدارس معينة ورعاية مصالحهم بشكل مشترك”.