لم ينسَ بعد اللبنانيّون مشاهد الحرائق التي التهمت الأخضر واليابس وأظهرت عجز الدولة عن حماية أحراجها. ومع التحذيرات التي صدرت عن وزارة البيئة والدفاع المدني، من ارتفاع مؤشر الحرائق في عدد من المناطق بعد توقع ملامسة درجات الحرارة الـ40 درجة، يعود هاجس تكرار حرائق أعوام 2019، 2020 و2021.
يتخوّف مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند الدكتور جورج متري أن تشهد سنة 2023 حرائق كبيرة. ويُعدّد في حديث لموقع mtv العوامل الأربعة التي تدفع المعنيين إلى التخوّف ممّا قد يحصل، قائلًا: “ستُؤدي التطرفات الكبيرة في الطقس إلى انخفاض الرطوبة في التراب وفي الغطاء النباتي الذي سرعان ما سيشتعل مع إقدام أي شخص على عمل تخريبي في الأحراج”.
ويضيف: “ما قد يثير القلق من ارتفاع مؤشر الحرائق هو الأمطار التي استمرّت بالهطول حتى شهر أيار والتي أدّت إلى نموّ الأعشاب بشكل كبير ومن ثمّ يباسها، إضافة إلى عدم توفّر الإمكانات لتشحيلها”.
يُمكن تطويق أي حريق خلال أوّل 10 دقائق إلى 20 دقيقة من إندلاعه إذا ما تدخلّت الفرق المعنيّة في الوقت المناسب. ويلفت متري إلى أنّ أي تأخير يترافق مع حرارة مرتفعة ورطوبة منخفضة وهواء جاف وسريع سيُؤدي إلى تمدّد الحريق”، داعيًا اللبنانيين إلى التنبّه في الأيام المقبلة والتبليغ سريعًا إذا ما شاهد أحدهم أعمدة دخان.
من ناحيته، يركّز وزير البيئة ناصر ياسين في حديثه لموقع mtv على أهمية الوقاية والحدّ من المخاطر والاستجابة السريعة لأي حريق، آخذًا من سنة 2022 عبرة. إذ، ونتيجة للرؤية التي وضعتها الوزارة وتدخل فرق المستجيب الأوّل على الأرض انخفضت نسبة المساحات المحروقة 90 في المئة عام 2022 مقارنة مع السنوات الماضية.
فقد بلغت المساحات المحروقة عام 2019، 2679 هيكتاراً. وكانت الكارثة أكبر عام 2020 مع ارتفاع المساحات المحروقة إلى 7132 هيكتاراً، لتعاود الانخفاض في العام 2021 إلى 2838 هيكتاراً فـ325 هيكتاراً في العام 2022.
ويشرح ياسين، أنّ كل الحرائق في لبنان مفتعلة إنّما عن إهمال أو تعمّد أو عن سوء إدارة للمواقع الحرجية، ممّا يدفعه للتشديد على أهميّة الوقاية ودور البلديات في هذا الاطار. لكنّه يستطرد: “المشكلة في أنّ وضع البلديات صعب ومواردها المالية ضئيلة لذلك نعتمد على الجمعيات والتبرعات”.
ويضيف: “قسّمنا لبنان إلى 15 منطقة، تبعًا للمناطق الأكثر خطراً والتي تعرّضت لحرائق متكرّرة في السنوات الـ10 الماضية، وأنشأنا 16 فريقًا من “فرق المستجيب الأوّل” المؤلفة من متطوّعين وعناصر بلدية وبعض عناصر الدفاع المدني”.
ويقع على عاتق الفريق المستجيب الأوّل رصد الدخان والحريق والتنسيق مع المجموعات لإخماد الحريق في مدة زمنية لا تتعدى الـ20 دقيقة. بعض هذه الفرق بات مدربًا ومزوّدًا بالعتاد والبعض الآخر لا يزال يستخدم معدّات بدائية. وقد خلقت مجموعات على “واتساب” تضم وزير البيئة لكي يتدخل ويطلب المؤازرة سريعًا من قيادة الجيش أو هيئة إدارة الكوارث إذا فقد فريق المستجيب الأوّل السيطرة على حريق.
ويكشف ياسين أنّ وزارة البيئة استحصلت من البنك الدولي على هبة بقيمة 4.5 مليون دولار ستصل في الربيع المقبل لتمويل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الحرائق. كما بدأ العمل على صناديق محليّة في بعض المناطق لدعم وتجهيز فرق المستجيب الأوّل وتزويدها بالمعدّات اللازمة وتطوير إمكاناتها”.
مواكبة لتغيّرات الطقس، تعمل وزارة البيئة وفريقها المعني بمتابعة ملف الحرائق على إرسال رسائل إلى المناطق ذات خطر الحرائق المرتقع جداً، لتنبيهها والطلب منها البقاء على يقظة والتحسّب لأي حريق.
بعد حملة “حريق بالناقص” ستطلق وزارة البيئة حملة “نضّف بلدك” في ٢٢ تموز الجاري كي يتشارك اللبنانيّون في تنظيف قراهم ومدنهم وتشحيل الأحراج والغابات.
قبل إلقاء اللوم على الدولة والوزارات في تقصيرها، علينا جميعًا “ما نولعها” حفاظًا على ما تبقى من الغطاء النباتي في لبنان.