وزارة الثقافة كرّمت الأديب الراحل جوزف مهنا

 

برعاية وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ممثلاً بمستشاره المحامي الشاعر شوقي ساسين، كرّمت وزارة الثقافة الأديب الراحل جوزف مهنا في احتفال أُقيم للمناسبة في مسرح المكتبة الوطنية- الحمرا، في حضور شخصيات سياسية ودينية وأدبية وثقافية وإعلامية.

بعد النشيد الوطني اللبناني، ألقت عرّيفة الاحتفال الإعلامية جان دارك أبي ياغي كلمة نوّهت فيها بمزايا المكرّم الذي اعتنق الكلمة هوية وقضية وسيرة وجود وكفاح. هو من تنكَّبَ سيف اللغة وغاص بين مفرداتها اشتقاقًا ونحتًا، فكوَّنَ له شخصية مائزة في الأدب لا تشبه إلا نفسها أسلوبًا ومضمونًا.

في كلمته، شرّع وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى أبواب مكتبتها الوطنية لذكرى أديب من لبنان، كان له حضور ساطع في المجالس والمحافل، بشخصه الوديع وأسلوبه الممتنع، الذي يذكِّر بعهد البدايات في النثر العربي، حين كان للكلمة الفصيحة وقعُها الداوي الذي تنحني له الأعناق وترتعد الأكتاف.
وأضاف: لو تتبعنا في أدب جوزف مهنا مدى تعلّقه بالحياة، لجئنا بكل كتاباته شواهد. يكفيه أنّه، من باب حبه للحياة، أعاد الاعتبار لنهج في اللغة، كان يظنُّ الناس أنّه مضى وانقضى، فإذا بجوزف مهنا يعيد بعثَه، ويثبتُ أنّه نهجٌ قادرٌ على التجدّد ومواكبة العصر، وإن بدا مُحكمَ النسجِ متين الأوصال، بخلاف ما يسودُ ثقافة اليوم.

بدوره، أشاد الوزير السابق غازي العريضي بالعلاقة الجميلة التي تربط الأديب الخطيب باللغة. ومما قاله: الرجل الذي لم أكن أعرفه، قراتُ عنه فرغبتُ في قراءته. طلبتُ كتبه وتشرّفت بأن أقول في هذه المناسبة شيئًا مما يستحق. لأنّ خمائل أدبه جنات من أشجار ريح ناعمات باسقات وثمار جاذبات، وبنيان عمارات من مصطلحات موصوفة وكلمات مرصوفة، مداميك متينة هي أساس قلعة جوزف مهنا اللغوية.
وأضاف: قمرٌ، أكرمَ أقمار وطنه فعبّر بصدق وتواضع وترفّع وشجاعة كأني به أراد أن يدعّم مرجعية العقل الجماعي ليعبر بأبهى إبداعاته إلى أجيال آتية وتبقى الذاكرة حيّة واللغة قوية محمية وهذا ما نحتاجه اليوم في السياسة والفكر والأدب والإعلام والعلاقات بين بعضنا البعض. وختم: باختصار، خلعت اللغة عباءتها عليك. مبارك خيارها وقرارها.

أما الشاعر المحامي شوقي ساسين فرأى أنّ جوزف مهنا يأبى إلا أن يترك العصافير سجينة على شجر الريح. أما شجر الريح فهو هو، وأما عصافيره فحروف أبجدية عدُّها ثمانية وعشرون، كلما حطّت على أنامله أمعَنَ فيها اشتقاقًا وتوليدًا حتى تصير رفوفًا كثيرة تهاجر في فضاء غير محدود. ذلك أنّه في صنعةِ الكتابة ممسك بأهمِّ قاعدتَيْن بلاغيتَيْن: الفصاحة البكرِ والاشتقاق الذي تتناسل منه المفردات والمعاني بلا انتهاء. كأنّه طبيب متخصص في العقم الأدبي، قادر من نُطفَةِ حرفٍ أن يسولدَ لغةً على سرير اللغة، مدركٌ أنّ الولدَ للفراش دائمًا مهما اختلف الناس في معنى الحجر.

في كلمتها، اعتبرت الأديبة الدكتورة سلوى الخليل الأمين أنّ المكرَّم الوارث الحقيقي للغة الضاد، يخاف عليها من الزحاف والزحال والاشتقاقات البسيطة المعاني، فكان الحريص على كل ما يحيط بها من معان ومفردات، هي كنوز لا يكتشفها سوى متبحر عالِم وفقيه متمرّس، يدرك ما في أعماقها من جواهر ودرر، فيغوص باحثًا ومنقِّبًا وعالمًا بأسرارها… منه تعلّمنا الاهتمام الجديّ بلغة، كيفما طوّعتها، تجدها مستعدة أن تؤدي المعنى المطلوب…
وختمت: نذرت نفسك وإيامك للغة، كي تبقى بيؤقًا بين اللغات، وسلّمت أمرك إليها عاشقًا ولِهًا، متفردًا في قطف نجومها المذهلة.

وأسهب الدكتور ميشال كعدي في وصف المكرَّم الذي عالمه مُكتَنَزٌ بالأدب والإبداع. وقال: جئنا اليوم، نَلُمُّ من غلاله، فغارسُ الإبداع والكلمة والمنطق الرَّخيم، وحَصاةِ الرأي، من حقِّه الجِزية. أتينا لنشهد على غرسِ رفيق الدرب جوزف مهنا، وَمئْناسِ أدبه، والنَّزفِ على تَوَسُّدِ الكلمة، والصفحات الهنية… وإذا العظمة في مداها وجمالاتها وقلَّما تعيشُ المكانة في غير خمائلها. إنّ أفكاره عميقة الجذور، رحبة المساحات، تنبعث منها جمالية البيان والبلاغة، وصقل الخاطر، وتماسك الرأي. أما حكمه بالعدل، فيقضي بالصواب والحزم والثقة.

يكن صاحب دار نلسن للنشر الأديب سليمان بختي كل الاحترام للأديب جوزف مهنا لجهوده الحثيثة ومساهمته في رفع شأن الأدب. كتب المكرَّم ببلاغة أدبية محبوكة فيها الكثير من التجدد وروعة الأدب الأصيل. من خلال عملي معه كناشر لكتبه، كان يلفتني متابعته لأدق التفاصيل بجدية مطلقة من باب حرصه على المضمون قبل أن يبصر الكتاب النور. لقد فارقنا في عز عطائه الأدبي وينابيع حبره لم تنضب بعد. خسارتنا بالكبير جوزف مهنا لا تعوّض فهو ترك في الدنيا أحلى ما يمكن أن يتركه المرء: الحب وأدب الكلمة. وكان بصدد إنجاز ثلاثة كتب جديدة، على أمل أن تُنشر قريبًا لأن أفضل تكريم للكاتب نشر أعماله.

في الختام، ألقت ابنة المكرّم السيدة دورا مهنا مايو كلمة العائلة شكرت فيها وزارة الثقافة على اللفتة الكريمة تجاه والدها، كما شكرت المنتدين على ما فاضت أجرانهم من حبر الكلام المجبول محبة شفافة للمكرَّم.

بعد الاحتفال، وزِّعت مجموعة الأديب مهنا المؤلَّفة من خمسة كتب(أقمار من وطني، عبير الكلمات، خميلة الياسمين، ريفيات، وشجر الريح) على الحاضرين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى