المطار… واجهة لبنان على العالم مُستباحة من قبل سائقين يستبيحون حرم المطار ويتطفلون على القادمين إلى لبنان مستقويين بالأحزاب التي تدعمهم. شهادات حية تصور الحال الذي وصلت إليه المرافق العامة في البلد، حيث تُعشعش الفوضى بشكل صارخ تحت المحميات الطائفية والسياسية، فهناك الحق لمن يحظى بحماية من هذا الحزب أو ذاك، لتُخبر الوقائع على الأرض حجم المحسوبيات.
يستعين أحد سائقي الأجرة بالمثل القائل «يحق لهم ما لا يحق لغيرهم»، ليُعبر عن حجم الفوضى والتشبيح الذي يستبيح مطار رفيق الحريري الدولي في موضوع تاكسي المطار، فيقول لصحيفة «نداء الوطن»: «الأفضل عدم الإحتكاك بهم، فمجرد الدخول إلى المطار ينظرون إليك نظرات غريبة عجيبة وكأنك دعست على بساطهم، وحتى أسعارهم أغلى بحدود الـ 20 دولاراً تقريباً عن سيارات الأجرة الأخرى. فعلى سبيل المثال قد تكون أجرة التاكسي تتراوح ما بين 50 إلى 60 دولاراً، لكنهم يطلبون بحدود الـ 80».
وتجنباً للمشاكل وخوفاً من التعرض لأي أذى يفضل عدم التواجد في هذه النقطة ،لأننا على حدّ تعبيره «في بلد إذا لم تكن مدعوماً سياسياً يؤكل حقك بسهولة».
حال هذا السائق كحال زميله الذي يختصر الحال بالقول: «ابعد عن الشر وغنيلو بلا وجع الراس والمشاكل، لن أجمع ثروة من كم دولار، فهؤلاء لا يصح وصفهم إلّا بالعصابات» .
وتروي إحدى القادمات إلى لبنان كيف حاول اثنان من «السائقين المخالفين» إقناعها بالصعود إلى سيارتيهما من خلال المضاربة على بعضهما البعض في السعر، وهو ما فاجأها لأنها لم تعتد أنْ ترى هذه المظاهر في مطارات العالم».
ويشرح رئيس إتحادات ونقابات قطاع النقل البري في لبنان بسام طليس كيفية عمل تاكسي المطار، موضحاً لـ «نداء الوطن»، أن «عدد سيارات التاكسي ذات اللون الأبيض في المطار يُقارب الـ 240 سيارة. هذه السيارات كانت في السابق تعمل على العداد، لكن ألغي العداد لأن تجربته لم تكن ناجحة، واليوم هناك عمل على وضع تعرفة. حيث تم الإتفاق في الإجتماع الخاص بهذا القطاع على اعتماد تعرفة ووضعها على السيارات والمكاتب والمطار وتُوزع على الركاب، لكي يعلم الراكب كم سيدفع بشكل واضح إما بالدولار وإما باللبناني، لا سيما أنّه ليس لدى المسافر أية مشكلة في الدفع بالدولار».
ومن هذا المنطلق يؤكد أنّ «للسيارات البيضاء تعرفة رسمية، واليوم يتم تعديلها وفقاً للأسعار الجديدة، والهدف من تحديد التعرفة خصوصاً بالمطار هو أن يعلم الجميع من مواطنين لبنانيين أو من مغتربين أو سياح كم سيدفع، من أجل الحفاظ على صورة المطار وصورة البلد، فهناك الكثير من الكلام أن السائقين يبتزون السياح وهناك تشبيح»، مؤكدًا أن «الواقع ليس بهذا الحجم، لكن نحن في لبنان نصنع دائمًا من “الحبة قبة”.
ويعترف أنّ هناك شكاوى كثيرة تصل، ويقول: «تكلمت مع وزير الأشغال ووزير السياحة وحتى مع وزير الداخلية، قد يكون لدينا جلسة قريبة جداً من أجل تنظيم الأمور».
ويشدّد طليس هنا على أنّ لا شيء «إسمه تاكسي خارج إطار تاكسي المطار. هناك تاكسي يقل راكباً من الخارج أو يود أخذ راكب، فعليه أنْ يقف في الموقف»، ويوضح أنه منذ فترة علت الصرخة لأن موضوع نقل المسافرين من المطار في التاكسي كان محصوراً بتاكسي المطار، مما دفع السائقين العموميين الآخرين للسؤال، «ما معناه تاكسي المطار، فأنا سائق لبناني وأملك نمرة عمومية، لماذا لا يحق لي أخذ راكب من المطار؟».
ويذكر بتدبير أيام وزير الأشغال يوسف فنيانوس سمح لهؤلاء بالدخول إلى موقف المطار، فإذا كان لديهم راكب ينتظرونه هناك على أنْ يكونوا مزودين باسم الراكب من أجل أمن المطار. لأن المطار لديه خصوصية أمنية».
ولا ينفي طليس أنّه «قد يكون هناك تجاوزات» لكنه يقول: «صراحة ليس لدي أدلة»، مطمئناً أنّ «بعض التجاوزات مقدور على حلها «.
وعما يُحكى عن غطاء سياسي لا سيما من حركة أمل أو من «حزب الله»، لأصحاب هذه التاكسيات الذين يستبيحون المطار ولا يسمحون لأحد بالإقتراب من حرمه، حتى أنّ السيارات البيضاء تُعاني من منافستهم، يجزم أنّ «هؤلاء لا يحظون بأي غطاء، ولا أحد يغطي أية مخالفة مرتكبة من قبل سائق أو غير سائق».
ويقول طليس: «باسم حركة أمل و»حزب الله» هذا الموضوع ليس موجودا» وجهاز أمن المطار وأجهزة المطار مطلقة اليدين بأي إجراء تأخذه بحق أي مخالفة، ويحمل المسؤولية للقانون الذي لا يتم تعديله بحيث يمكن رفع الغرامة على المخالفين لمنعهم من تكرارها»، ويردف: «اليوم الوجع بموضوع الغرامة أمر ضروري ، ولا بد منه لأن المخالف لا يكثرث لمخالفة لا تتسبب له بالوجع، وتصبح الأمور سهلة كمخالفة ضبط السرعة وحتى أية مخالفة، لذلك المطلوب اليوم تعديلات قانونية بموضوع الغرامات. فهذا الموضوع ليس من صلاحياتنا ولا عند النقابات ولا حتى الإتحادات بل هو عند الجهات المختصة بالدولة اللبنانية من وزارات وإدارات».
ويكرر أنه قد تكون هناك تجاوزات ومخالفات، مردفاً، «لكن بكل صراحة ليس لدي معطيات ولا أدافع ولا أتهم في ذات الوقت، وفي حال كانت موجودة ، فحلها ليس لدينا، ولا عند النقابات بل عند جهاز أمن المطار والسلطات المعنية بالمطار وبالدولة»، ويلفت إلى أن «جهاز أمن المطار يقوم بواجبه بموضوع محضر المخالفة وغيره، ولأن المحضر ذات قيمة متدنية جداً فلا يؤثر على المخالف، ويجدد القول: «هذا الموضوع ليس من صلاحياتنا بل لدى الوزارة والإدارة المعنية والتي يتوجب عليها أن تقدم إقتراح قانون أو مشروع قانون لرفع الغرامة. وبالتالي هذا الموضوع لا ينطبق على السائق العمومي فحسب، بل على كافة المخالفات التي ترتكب من قبل المواطن، فالمخالف لا يوجعه هذه الأيام إلا جيبه فـألم الجيب له تأثير أكثر من أي ألم آخر”.
أين الأجهزة الأمنية؟
والسؤال الأهم اليوم يتمحور حول غياب الأمن عن هذا المشهد المحزن في بوابة لبنان على الخارج.
في هذا السياق، تشدد مصادر أمنية بدورها على أنّ «الأجهزة تتابع الموضوع، وتوافق على ما يقوله طليس بموضوع الغرامات»، وتقول لـ «نداء الوطن»: «نعمل على قمع المخالفات. منذ ما يقارب العام قمنا بتسطير ما فوق الـ 2000 محضر، لكن تدنى الغرامة يسهل على المخالف إرتكاب المخالفة بـ»أعصاب باردة»، والأمر المطلوب اليوم هو تعديل غرامة الضبط، وإلا سنبقى كما نحن ولا شيء يمكن أن يردع المخالف».
لكن هذه التبريرات الأمنية لا يُمكن الركون إليها لأنها منذ سنوات تَعد بإجراءت حاسمة ويبقى الأمر على ما هو عليه، فلا سلطة تعلو في بعض المناطق على سلطة الأحزاب.
وكان المدير العام للطيران المدني في مطار رفيق الحريري الدولي فادي الحسن أوضح في حديث سابق لـ»نداء الوطن» أنّه «يوجد تاكسي المطار، وفي ما يتعلق بسيارات التاكسي الأخرى فهي ليست من ضمن صلاحياتنا، ولكنّ هناك تعاوناً بيننا وبين الأجهزة الأمنية لقمع المخالفات التي من الممكن أن يقوم بها بعض سائقي هذه السيارات العمومية»، وقال: «بالتأكيد بعد فترة الإزدحام التي يشهدها المطار، نحن بصدد القيام بتحسينات في ما يتعلق بموضوع التاكسي. ونأمل قريباً أن تبدأ هذا التحسينات بالظهور على الأرض، حيث ستكون منظمة بشكل كبير، ونحن بدأنا العمل عليها اليوم، وعلى الأرجح أنه خلال هذا الصيف سيكون الموضوع قد أنجز».