أكثر من نصف أساتذة التعليم الثانوي لا يرغبون بالتعليم هذه السنة، مع ورود 3000 طلب إجازة من دون راتب واستيداع واستقالة إلى وزارة التربية قبيل بدء العام الدراسي الجديد. المشهد نفسه ينسحب أيضاً على التعليم الأساسي، إنّما من دون إمكانية لتحديد العدد بسبب العدد الأكبر للأساتذة الأكبر هناك. يأتي ذلك بعد انسداد أفق الحلول، إذ لا أموال إضافية للأساتذة، وحتى الرواتب الأربعة الإضافية لم تُدفع نهاية هذا الشهر، وجلّ ما قُبض كان ثلاثة رواتب لم تصل قيمتها إلى تسعين دولاراً على أبواب شهر أيلول وما يحمل من مصاعب معيشيّة.
عدد طالبي الإجازة شكّل أرقاً كبيراً للمعنيين في الوزارة، والتفتيش عن الحلول جارٍ على قدم وساق. ولعلّ أبرزها فكرة العودة إلى «التعليم أونلاين» بشكل جزئي لتمرير عام دراسي آخر من دون الوصول إلى حل نهائي يعيد التعليم إلى سكته الصحيحة. في المقابل، اختار وزير التربية عباس الحلبي، من جديد، المواجهة مع الأساتذة، وبحسب مصادر «الأخبار»، اتّخذ قراراً بـ«رفض كلّ الطلبات، إلّا التي تحمل أسباباً مقنعةً مثل السفر لاستكمال الدراسة، أو العناية بمريض من الأقرباء»، بالإضافة إلى «دراسة كيفيّة معاقبة الأساتذة المنقطعين عن التعليم الذين يوقّعون فقط كل 15 يوماً مرّة كي لا يُعتبروا بحكم المستقيلين، إذ لن تقبل الوزارة هذه السنة إعادةً لسيناريو الامتناع عن التعليم».
الوضع في الثانويات ضبابي، بحسب المديرين، فالمواد الأساسية تفقد أساتذتها، ومن بقي في التعليم منهم يفضّل التعاقد مع المدارس الخاصة بأجر يصل إلى 600 دولار شهرياً، على قضاء عام آخر في المدرسة الرسمية براتب تدنّى تحت عتبة الـ 100 دولار. أساتذة المواد العلميّة هم الأكثر استقطاباً نحو التعليم الخاص، ولا سيّما أساتذة مادة اللغة الأجنبية (فرنسي أو إنكليزي)، والرياضيات. فالمدرسة الرسمية تنزف هذه الاختصاصات، فأصحابها قادرون إما على الهجرة بسرعة، أو إيجاد فرص عمل أفضل في المؤسّسات التعليمية الخاصة الكبيرة التي تقوم بفتح فروع جديدة لمدارسها، وتشعيب الصفوف لاستيعاب الهجرة المتزايدة من التعليم الرسمي، ما يعني حاجة أكبر إلى الأساتذة. ففي إحدى ثانويات منطقة الضاحية مثلاً، لا أساتذة لمادة علوم الحياة.
في المقابل، تأخّرت وزارة التربية في إصدار مذكّرة بداية العام الدراسي، كما في تحديد موعد لروابط التعليم الرسمي للقاء الوزير، ما جعل الأساتذة أمام مشكلة إضافية، إذ لا يعلمون حتى اللحظة لا عدد الأيام التعليمية، أو الحصص الأسبوعية المطلوبة، ولا سيّما مع الشائعات التي تصدر من أروقة وزارة التربية عن «احتمال اعتماد التدريس 5 أيام أسبوعياً». ومن جهة أخرى، يؤكّد عضو في رابطة التعليم الثانوي «إصرار الرابطة على 4 أيام تعليم أسبوعياً كحد أقصى هذه السنة، مع تخفيض نصاب الأستاذ إلى 16 حصة أسبوعياً لإتاحة المجال أمام التعليم في مكان آخر». وعند الاتفاق مع وزير التربية، «هناك إجماع على ضرورة إصدار مذكّرات أو قرارات موقّعة من قبله، كي لا يبقى أيّ شيء في خانة الوعود كما حصل العام الدراسي الماضي»، فالحلبي وعد هذه السنة بـ300 دولار إضافية على الرواتب السبعة. وحول تأخر وزير التربية في تحديد موعد لهم، يشير إلى «أنّ الحلبي أبلغهم بعدم عقد أي اجتماعات قبل وضع خطة كاملة للعام الدراسي المقبل». أما في ما يتعلّق بمذكّرة العام الدراسي، فـ«لن تصدر قبل العاشر من أيلول».
لا أموال إذاً لتسيير العام الدراسي، وإن وصلت المبالغ التي أقرّتها الحكومة إلى وزارة التربية، فهي ستبقى بالليرة، ولن تُحوّل إلى دولار. أمّا الجهات المانحة، واليونيسف، فـ«نفضت أيديها تماماً من تعليم اللبنانيين هذه السنة»، بحسب عضو في رابطة التعليم الأساسي حضر الاجتماع الأخير مع مندوبي هذه الجهات، التي قالت «إنّها معنيّة بتعليم السوريين فقط، ودعم موازنة المدارس التي تعلّم فترة بعد الظهر». وتعليقاً على الهمروجة المرافقة لموافقة الحكومة على دعم وزارة التربية قال: «يبيعون سمكاً في الماء، إذ لا يوجد مال حتى لطباعة الكتاب المدرسي، والأموال هي حبر على ورق من دون رصيد»، وتساءل حول «كيفية العمل مع تلامذة الحلقتين الأولى والثانية، حيث الحاجة أساسية إلى كتب التمارين، وفي الروضات. ففي العام الماضي، قامت المدارس بطباعة بطاقات التقييم على نفقتها، علماً أنّها من المفترض أن تأتي من مطبعة المركز الوطني للبحوث».
أمام هذا المشهد، ترى أغلبية الأساتذة أن لا إمكانية للعودة إلى التعليم بـ100 دولار شهرياً، فـ«الأمر ينافي العقل والمنطق والقدرة»، مطالبين الدولة بـ«إعلان عدم قدرتها على تسيير التعليم الرسمي وإقفاله». ورفضوا مسبقاً «تهليل الروابط والمكاتب التربوية لقبض المساعدة الاجتماعية (4 رواتب إضافية) عن أشهر الصيف»، معتبرين «تكرار تأخير دفع المستحقات إلى حين استحقاق المهل أمراً مهيناً، كما تأجيل لقاء الروابط لثلاثة أسابيع متتالية مقابل استقبال المكاتب التربوية، في حين أن العام الدراسي أصبح على الأبواب».