انتخابات بيروت بداية تحولات وتحالفات

لم تشبه الانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت هذه المرة سابقاتها، إذ تُجمع الأوساط السياسية على أن نتائجها أحدثت معادلات وتحولات سياسية كبيرة ومهمة، ستكون لها تأثيراتها المباشرة على خريطة التحالفات التي ستشهدها الانتخابات النيابية المقبلة عمومًا، وعلى الساحة البيروتية خصوصًا.

وتظهر قراءة بعض المتابعين لهذه النتائج وموازين القوى التي نجمت منها، أن لائحة “بيروت بتجمعنا” قد تفتح الباب أمام تحالفات مستقبلية جديدة، سواء كانت انتخابية أو سياسية. فهذه الللائحة دعمها تحالف انتخابي كبير جمع رئيس حزب “الحوارالوطني” النائب فؤاد مخزومي إلى قوى سياسية متنوعة تصدّرها “الثنائي الشيعي” و”القوات اللبنانية” وحزب “الكتائب” و”التيار الوطني الحر” ومستقلين، ما مكّنها من تحقيق فوز ساحق ( 23 عضوًا من أصل 24) كرّس مبدأ المناصفة الإسلامية ـ المسيحية، وجنّب بيروت الانقسام الطائفي وحافظ على وحدتها.

وقد لعب مخزومي دورًا محوريًا في تشكيل هذه اللائحة، حيث عمل على تجيير ما أمكنه من الأصوات السنيّة لمصلحتها، متحدّيًا خطاب التقسيم الطائفي الذي روّج خصومه له. فنجح في تقديم نفسه مدافعًا شرسًا عن المناصفة، ما دفع البعض لتسميته “حارس المناصفة” و”ضامن” للتوازن الوطني، في الوقت الذي سُجّل تراجعٌ في نفوذ بعض القوى التقليدية، خصوصًا أن غياب تيار “المستقبل” عن المشهد أحدث تراجعًا في نفوذ القوى السنية التقليدية، فبرز مخزومي كبديل معتدل، يدعمه غطاء عربي، على حد قول بعض المراقبين.

صحيح أن مخزومي لم يحقق تصويتًا سنيًا كبيرًا للائحة “بيروت بتجمعنا”، لكنه تمكّن من تكريس نفسه مرجعية في المعادلة السنيّة عمومًا والبيروتيّة خصوصًا، رغم ما تعرض له من حملات اتهمه أصحابها باستغلال الانتخابات البلدية لتعزيز طموحه السياسي للوصول لرئاسة الحكومة، لكن الرجل تغلّب على هذه الحملات بفوز المناصفة التي عمل لها في المجلس البلدي لبيروت، ونجح في ترسيخ صورته كرمز للاعتدال والوحدة، خصوصا بعد تصدّيه لمحاولات تقسيم بلدية بيروت طائفيًا، مما منحه فرصة أن يكون في كل المحطات والاستحقاقات اللاحقة وسيطاً بين مختلف المكونات.

على أن نتائج انتخابات بلدية بيروت شكّلت اختبارًا لمزاج الناخبين وكشفت عن بدابة تحوّل في المزاج الشعبي، خصوصًا مع بروز دور الشباب والعائلات بعيدًا من السيطرة الحزبية التقليدية، الأمر الذي قد يُترجم تحالفات غير تقليدية في الانتخابات النيابية المقبلة.

وثمة من يقول إن تراجع نفوذ بعض القوى السياسية قد يفتح الباب أمام تحالفات جديدة، خصوصا إذا استمرّ مخزومي في سياسة جذب الأصوات المعتدلة من مختلف الطوائف، علمًا أن نجاحه النسبي في الانتخابات البلدية يعزّز موقفه كمرشّح محتمل لرئاسة الحكومة، لكنّه رغم ذلك يحتاج إلى توسيع قاعدته الشعبية وتجنّب الانزلاق إلى نزاعات داخلية مع القوى السنيّة المنافسة.

وفي المحصلة، يقول بعض المتابعين إن نتائج الانتخابات البلدية في بيروت رسّخت مخزومي مرجعية سياسيّة سنيّة لا يمكن تجاهلها، وفتحت الباب أمام تحالفات جديدة قد تعيد رسم الخريطة السياسية قبل الانتخابات النيابية المقبلة. إلا أن نجاح مخزومي المستقبلي يبقى مرهونًا بمدى قدرته على توحيد الصف السني من دون التنازل عن خطاب الاعتدال الذي يعتنقه، والاستفادة من تراجع القوى التقليدية لمصلحة نموذج سياسي أكثر توافقًا مع متطلبات المرحلة.

المصدر:اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى