سَلامٌ فوقَ الجَثَث… وخنوع يخضع الأحياء انه لإستسلام بأسم السلام… ماذا نقول

 

لأمٍّ دفنت فلذةَ كبدِها، وفي يدِ زوجةٍ ما زالت ترتجفُ من كسر البابِ الذي لن يُفتَح بعد اليوم، وفي عينِ أبٍ صارَ شيبُهُ شاهداً على فاجعةٍ لا تُحتَمل… بأيِّ حقٍّ نقولُ لهم: “مَبروكٌ عليكم الشّهادةُ، ولولا دماؤهم لَما كان هناك سلامٌ”؟

أيُّ سلامٍ هذا الذي نبيعُهُ بثمنِ الأحشاء؟ وأيُّ دولةٍ تُخاطِبُ ذوي الشهداءِ وكأنّ فقدانَهم قُربانٌ إلزاميّ على مذبحِ التسويات؟

أيعقِلُ أن تُصبِحَ الشّهادةُ جوازَ عبورٍ لسلامٍ مفروضٍ بالقوّة؟

كأنّنا نقولُ للأمّ الثكلى: اصمتي… قَدِّمي ابنكِ قُرباناً، فالدولُ الكبرى تُخطِّطُ ونحنُ نُنفِّذ.

وكأنّنا نقول للزوجةِ المكسورة: احتسبي، فالسلامُ يحتاجُ وقوداً بشريّاً.

وكأنّنا نقولُ للأب المكلوم: لا تبكِ… فدمُ ابنك ورقةُ ضغطٍ على طاولةِ تفاوض.

هذه مهزلةٌ لا تُحتَمل.

هذه إهانةٌ مُضاعَفة، إهانةٌ للحيِّ… وإهانةٌ لِمَن استُشهِد.

السلامُ الذي يُبنَى على الجِثَث ليس سلاماً، بل صَفعةٌ على وجهِ كلِّ بيتٍ دفَعَ ضريبةَ الحرب.

والسلامُ الحقيقيّ لا يطلبُ من الناسِ أن يبلعوا دموعهم ويباركوا فَقْدَ أحبابهم؛ بل يطلبُ من الدولة أن تُحاسِبَ مَن جرّ البلادَ إلى الفوضى، وأن تمنعَ تكرارَ المأساة، وأن تبني وطناً لا يُقتَلُ فيه الأبناء ليعيشَ الساسةُ في حصانة النعيم.

لكن الأخطر…

هناك سلامٌ آخَر، تُطبَخ ملامحُهُ بعيداً عن حدودنا، في كواليسِ العواصم الغربيّة، حيث تُعقَدُ الصفقاتُ باسمنا، وتُرسَمُ الخرائطُ عنّا، ويجلسُ المفاوضُ الغريبُ على كرسيّ صاحبِ الأرض.

يُفاوضون عنّا ونحنُ الغائبون.

يُخطّطون لمستقبلنا وكأنّنا جغرافيا بلا شعب، وساحةٌ بلا تاريخ، وأرضٌ بلا دم.

ثمّ يعودون ليقولوا لنا…

“هذا هو السلام… إقبلوه”.

وكأنّ الوطنَ شركةٌ مفلسةٌ تُباع أصولها في المزاد الدوليّ.

هل نقولُ لأمِّ الشهيد: لولا دمُ ابنكِ، لَما جاءت المعاهدةُ ولا فاوضنا العدوّ؟

أم نقولُ لها الحقيقة المُرّة…

أنّ الدمَ الذي سالَ، لو كانت للدولةِ كرامةٌ وسيادةٌ وقرارٌ مُستقِلّ، لَما كان يجبُ أن يُسفَكَ أصلاً.

ثمّ يسألون:

وماذا بعد السلام؟ هل سنأكلُ المُلَبَّن… أم سنبتلعُ الخَوازِيقَ؟

والجوابُ صارخٌ كالرّعد:

سنبتلِعُ الخَوازِيقَ ما دامَ السلامُ مفروضاً، وما دامَ الدمُ وسيلةً، وما دامت الكرامةُ آخرَ همومِ الطبقةِ الحاكمة.

السّلامُ إمّا أن يكونَ سلامَ الكِرامِ…

وإمّا أن يكونَ سلاماً يَدهسُ الكَرامةَ، ويُهينُ الشهداءَ، ويُحوِّلُ دماءهُم إلى خَتمٍ على ورقةٍ لا تُساوي شيئاً.

وهنا يبقى السؤالُ الذي لا يُمكنُ لأحدٍ الهربَ منه:

أيُّ أمّةٍ نحنُ… إذا قبلنا أن نُهدى السلامَ على نُعوشِ أبنائنا؟

#انه الاستسلام

لبنان عبيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى