تدريجياً، يدخل النظام الصحي دائرة الخطر. صحيح أن هذا كان محسوباً منذ البداية، إلا أن الوصول إليه كان مبكراً، وأتى بعد أقل من أسبوعين من اندلاع العدوان، بعدما بدأ العدو الإسرائيلي حربه على المستشفيات والمراكز الصحية وهيئات الإسعاف.
وكانت أولى بوادر الأزمة «هجمة» مئات من مرضى غسل الكلى ومرضى السرطان ممن هم بحاجة إلى غرف عنايات فائقة وعبوات أوكسيجين على المستشفيات في المناطق الآمنة، سواء منهم من «أُحيلوا» من المستشفيات في المناطق المستهدفة، وتحديداً في الجنوب والضاحية، أو بسبب النزوح الذي دفع بالمرضى إلى نقل ملفاتهم الطبية معهم. وبحسب نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون، فقد أدى تدفق النازحين مرة واحدة إلى أزمة استيعاب في أقسام غسل الكلى في عدد كبير من المستشفيات، وخصوصاً في الأيام الثلاثة الأخيرة بالتزامن مع شنّ العدو حملة على المستشفيات أدّت إلى اتخاذ بعضها قراراً بالإجلاء الفوري، بحسب مدير العناية الطبية في الوزارة الدكتور جوزف الحلو. أضف إلى ذلك، أن هناك مستشفيات في الأصل لا تحتمل قدرتها الاستيعابية أي زيادة.
ويشير أحد الأطبّاء العاملين في مستشفى بيروت الحكومي إلى أن هذا المستشفى وحده «استوعب 100 مريض غسل كلى، ما رفع عدد المرضى الذين يخضعون لجلسات علاج إلى 250 مريضاً». والأمر نفسه ينطبق على مستشفيات أخرى. وأسوأ ما في هذه الأزمة أنها لا تحلّ بـ«الاتّصالات»، بحسب المصادر، لأنّ الأزمة هذه المرة ليست مادية، وإنما تتعلّق بقدرة كل مستشفى على استقبال حالاتٍ تضاف إلى ما هو موجود لديه أصلاً، حيث ستكون المستشفيات أمام معضلتين أساسيتين، إمّا توفير ماكينات غسل إضافية وطاقم تمريضي أو زيادة دورة العمل. وبالفعل، لجأ عدد من المستشفيات إلى الخيار الثاني، بسبب فشل الخيار الأول. ويشير أحد الأطباء إلى أنه «طلب من بعض المستشفيات، التي جرى إجلاء مرضى منها إلى مستشفيات أخرى، أن تساعد بفريق العاملين لديها كالممرضين، وقد استجاب البعض منهم، فيما البعض الآخر اشترط أن يكون الدفع لهؤلاء من المستشفى الذي يستقبلهم». وبسبب ذلك، عمدت المستشفيات التي استنفدت كل طاقتها إلى زيادة الـ«شيفتات»، وفق أحد الأطباء، مشيراً إلى أنه «في اليومين السابقين، تواصل العمل في قسم غسل الكلى حتى الثانية فجراً»، إذ «لا يمكننا أن نرفض استقبالهم»، وفق هارون، لأن في ذلك مسّاً بحياة المريض. وكذلك الحال بالنسبة إلى مرضى السرطان، حيث تكمن الأزمة في المرضى الذين يحتاجون إلى عنايات فائقة. وبحسب هارون «يمكن تأمين علاج مرضى السرطان، وإنما المشكلة الكبرى في تأمين غرف العنايات الفائقة اليوم».
وتفتح هذه الإشكالية الباب على أزمة الكادر التمريضي، وخصوصاً العاملين منهم في أقسام غسل الكلى، إذ إن الأعداد «ع القدّ»، وهو ما يؤدي إلى أزمة استنزاف الموجود منهم مع الزيادة في أعداد المرضى. ولا يمكن تعويض النقص من الأقسام العادية لحاجة هذا القسم إلى ممرضين مدرّبين، كما لا يمكن الاستعانة بآخرين من أقسامٍ أخرى تعاني هي أيضاً نقصاً.
اخبار اليوم