شهداؤنا ليسوا أرقاماً… لبنان “غير مخصّص للبيع”

كتب نادر حجاز في موقع mtv:

موجِع عدّاد وزارة الصحة. لا يمرّ يوم من دون سلسلة رسائل عاجلة من المكتب الإعلامي، تفيد بآخر إحصاءات أعداد الشهداء والجرحى على امتداد المناطق اللبنانية.

الرقم صادم، لقد تخطّينا الألفي شهيد والعشرة آلاف جريح، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، متجاوزين بذلك خسارتنا خلال حرب تموز ٢٠٠٦.
مؤلم جداً أن تتحوّل مأساتنا وأرواحنا إلى مجرّد أرقام في جداول الهيئات الرسمية، وإلى خسائر جانبية في الاستثمار الدولي والإقليمي على أرضنا.
كم يشبه واقعنا اليوم المشهد في قطاع غزة على مدى عام كامل. ففي بداية الحرب يبحث العالم والإعلام عن إسم كل شهيد. يدقّق في صورهم ووجوههم. يذهب الى عائلاتهم أو مَن بقي منهم، ويشاركهم اللحظات والذكريات. وما هي إلا أسابيع، حتى تصبح مأساة شعب بكامله تُختصَر بخبر عاجل على صفحات أنباء الساعة، ليس أكثر.

هذا ما نعيشه الآن، شهداؤنا وجرحانا أرقام بلا أسماء وعناوين. مجرّد حصيلة يومية تُذيَّل بها نشرات الأخبار والمؤتمرات الصحافية، كما البيانات الأممية المحذّرة من كارثة إنسانية في لبنان… وكالعادة، ينتهي البيان بإرسال مساعدات، نشكر الله أنها لا زالت تصل إلينا، ولا تُرمى لنا من المروحيات.
أسئلة كثيرة لا تنفكّ تحاصرنا كالكوابيس. مَن جلب علينا هذا الويل؟ ولماذا ندفع فواتير لم نصرفها أصلاً؟ ومَن قال أن دماءنا رخيصة جداً من أجل مفاوضات الآخرين؟ وأن عواصمهم محصّنة، فيما بيروتنا تستحق الموت وكل هذا الدخان اللعين.

يقولون إنّ الحرب في بدايتها، وإنّ موتاً كثيراً لا زال ينتظرنا. لكن وقف إطلاق النار لا زال ممكناً. هكذا يصرّحون في مقراتنا الرسمية وفي المحافل الدولية. جلسات مجلس الأمن ستتوالى، كما اقتراحات خفض التصعيد. سيأتينا مبعوث خاص ليواسينا ويبلغنا ان بلاده والعالم الى جانبنا، ومن بعده سيُكشَف عن مؤتمرات لدعم لبنان في عواصم القرار. وستمضي الأيام ونحن هنا لا زلنا نحصي مَن يسقطون بقنابل الجسور الجوية، من اصدقاء مشتركين كثر.

إنهم يقاتلون بنا، وسيفاوضون على دمار قرانا وبيوتنا. لكننا هنا، فوق الأرض المرهقة، علينا غداً عندما يسكت المدفع، أن نزرع شهداءنا كالشجر، لمرة أخيرة، نعلّق أسماءهم كالنجوم فوق القمر، وننثر عطرهم كالطيب في الساحات وفوق الحدود المشلّعة. وأن نعود لرسم وطننا بلون نختاره ونكتبه بحروف نفهمها، ونتفق أنه “غير مخصّص للبيع”.

هناك الكثير لنقوله، وتكاد الصرخات تخنقنا. وإلى أن ينتهي هذا الكابوس، اذكروا الشهداء واتلوا اسماءهم وانشروا ضحكاتهم، كي لا نصبح مجرّد أرقام ومشاريع ضحايا في غارة حاقدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى