طهران لا تريد أن تتورط في أي حرب إقليمية وهي تتفاوض منذ فترة طويلة مع الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها في المنطقة من دون حروب طالما لها أذرع وميليشيات في كل الإقليم، وأحد أهم وأقوى هذه الأذرع هو “الحزب” الذي يشكل وسيلة التفاوض الأكثر فعالية، فكيف تتخلى عنه مسلحاً؟
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
أقرّ مجلس الأمن بالإجماع القرار 1701 في 11 آب 2006 من أجل إيقاف الحرب بين إسرائيل و”حزب الله” في جنوب لبنان بعد مواجهة دامت 34 يومًا. ووافقت الحكومة اللبنانية، التي كان يشارك فيها “حزب الله”، على القرار بالإجماع، كما أعلن يومها الأمين العام السابق حسن نصرالله أن حزبه سيحترم وقف إطلاق النار. وفي 13 آب صوتت أيضاً الحكومة الإسرائيلية على القرار. ما يعني أنّ الجميع وافق على القرار بما فيهم إيران من خلال التصويت الذي حصل أيضاً وبالإجماع في مجلس الأمن.
ويرتكز القرار 1701 على ضرورة تطبيق قرار آخر هو 1559 الذي أقره مجلس الأمن في 2 أيلول 2004 والذي ينص في بنده الثالث على ضرورة حل جميع الميليشيات اللبنانية ونزع سلاحها, أي أنه يطالب فعلياً بنزع سلاح “حزب الله”. ويطالب ببسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية. وها قد مضى على القرار 1701 أكثر من 18 سنة ولم يتم حتى الآن تنفيذه. وحالياً يعود التركيز عليه مجدداً والإصرار على تنفيذه من أجل الخروج من هذه المجزرة التي تمارسها إسرائيل بشكل ممنهج، ليس فقط على “حزب الله”، وإنما ضد كل اللبنانيين دَلبنان كدولة بالذات. وتطبيقه يعني أولاً انسحاب إسرائيل من الجنوب يقابله انسحاب “حزب الله” والتراجع إلى شمال نهر الليطاني، وتوجه الجيش اللبناني إلى جنوب الليطاني والتمركز على الحدود مع قوات “اليونيفيل”. وهذا ما تؤكد عليه الحكومة اللبنانية ورئيسها نجيب ميقاتي الذي يصر على تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته وبالتالي أيضاً نزع سلاح “حزب الله”. وهذا موقف أكد عليه وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري عندما اجتمعا مع ميقاتي في عين التينة وأعلن الثلاثة موقفهم بضرورة تطبيق القرار 1701 وإرسال الجيش إلى الجنوب وانتخاب رئيس للجمهورية. وهو موقف يؤيده ويطالب به اللبنانيون وجميع القوى السياسية. حتى أنّ “حزب الله” نفسه وافق في البداية على المطالبة بوقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701. وبعد أيام بدا لافتاً تكثيف مسؤولين إيرانيين زيارتهم إلى لبنان، فكانت الأولى لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي أصر على ضرورة الصمود والمواجهة وكانه أراد توبيخ المسؤولين. فكان جنبلاط أول المتصدين له قائلاً: “لا يستطيع أن يعطينا دروساً في المواجهة”، ثم تبعه ميقاتي بعد أيام رافضًا ما جاء على لسان رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، الذي أتى أيضاً في زيارة إلى لبنان، معتبراً ذلك “تدخلاً فاضحاً في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان”. أما بري فالتزم الصمت نتيجة الإحراج الذي سببته له تصريحات المسؤولين الإيرانيين، وهو بات الزعيم الشيعي الوحيد بعد اغتيال نصرالله، ولكنه في الوقت نفسه مضطر أن يأخذ بعين الاعتبار ويراعي ما يريده جمهور “حزب الله” بالتالي ما تريده، أو الأصح ما تسعى ايران إلى فرضه.
غير أنّ الاستياء والمعارضة التي أثارتها تصريحات المسؤولين الإيرانيين دفعت هولاء إلى محاولة التخفيف من ردود الفعل عبر تصاريح تضامن مع لبنان وتأييد لموقفه المطالب بتطبيق القرار 1701 سواء عبر تصاريح علنية أو عبر الاتصال برئيس المجلس وإبلاغه موقفها المؤيد. إلا أنه كيف يمكن لإيران أن تؤيد تطبيق القرار 1701 وهو الذي يرتكز على قرار نزع السلاح من “حزب الله”، بغض النظر عن إمكانية تطبيقه فورا أم لا. والأهم أنّ خامنئي يعتبر أنّ “الجهاد مستمر بقوة في لبنان وغزة وسيؤدي إلى انتصار جبهة المقاومة، رغم أن البعض داخل لبنان وخارجه يظن أنّ “حزب الله” ضعف، وهؤلاء واهمون ومخطئون”. فهل يعقل أن توافق إيران على نزع سلاح “حزب الله”؟ وهو الذراع العسكرية الأهم لها في المنطقة؟ ناهيك عن أنّ طهران لا تريد أن تتورط في أي حرب إقليمية وهي تتفاوض منذ فترة طويلة مع الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها في المنطقة من دون حروب طالما لها أذرع وميليشيات في كل الإقليم. وأحد أهم وأقوى هذه الأذرع هو بالظبط “حزب الله” الذي يشكل وسيلة فعالة للتفاوض، فكيف تتخلى عنه مسلحاً؟