لم يكن وضع التعليم في المدارس الرسميّة في لبنان بخير ما قبل الحرب، فكيف به بعدها، وهو الذي كان في حالة احتضار نتيجة شحّ التمويل والضغط والتهويل لفرض دمج الطلاب السوريين حينها، عدا عن المصالح السياسيّة وغير السياسيّة، ومحاولات القضاء على التعليم الرسميّ في لبنان بكلّ مراحله من الروضة حتى الجامعة.
وأثناء العدوان الصهيوني الأخير، أصيبت المدارس الرسميّة بأضرار شاملة أو جزئيّة، لا سيّما الحدوديّة منها، وكذلك في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية، ما شكّل عائقا أمام عودة طبيعية، دعا إليها وزير التربية والتعليم العالي في لبنان، عباس الحلبي، لم تنطلق في الرابع من تشرين الثاني كما أعلن، لكن في الثاني من كانون الأول الحالي، وسط جملة من التساؤلات عن شكل هذه العودة، وإن كانت ممكنة حضوريًا في ظلّ الدمار الواسع والنزوح، لا سيّما أن تجربة “التعليم من بعد” ما دونها عقبات لوجستية وهواجس من عدم فاعليتها تعليميًا، بناء على تجارب سابقة أثناء جائحة كورونا.
على التعليم الحضوري
وحول آثار العدوان الصهيوني وحجم الضرر الذي أصاب المدارس الرسمية في لبنان، أشار رئيس رابطة التعليم الأساسي في لبنان حسين جواد لـ “الديار” إلى الخراب الواسع الذي لحق بها، والذي أدّى إلى تدمير مدرستين كليّا، هما مدرستا “علما” و”الضهيرة”، فضلا عن أكثر من 60 أو 70 مدرسة، لحقت بها أضرار جسيمة، وأخرى متوسطة أو خفيفة، ولم يسلم من همجية العدو في الجنوب إلا القليل من المدارس، كما أنّ هناك تكاليف باهظة لصيانتها.
وحول ما إذا كان يشكّل هذا الضرر حائلًا دون عودة التعليم الحضوري، أوضح جواد أنّه أمام هذا الواقع ونتيجة إصرار مديري المدارس من جهة ووزارة التربية ورئيس المنطقة التربوية في الجنوب والنبطية، بضرورة فتح المدارس حضوريًا- بخاصة أنّ عملية التعليم من بعد لم تؤدِ الغرض المطلوب منها، وليست هي العملية الناجحة التي يمكن أن يُعتمد عليها لإيصال المعرفة للطالب- أصرّت كلّ الجهات على التعليم الحضوري، والسؤال الذي يطرح نفسه ويوجّه إلى مديري المدارس أمام الدمار الحاصل فيها هو: كيف يمكن أن تدخلوا إلى هذه المدارس؟
أمام هذه المعضلة، كان الجواب حول هذا السؤال وفق جواد، بأنّ مدير كلّ مدرسة عمل على التكيّف مع هذا الوضع، فمن يمتلك القدرة كان يعمل على تركيب زجاج للنوافذ، ومن لا يمتلك القدرة كان يستخدم النايلون للنوافذ وللأبواب، وقال:” أنا (مدير مدرسة) من الناس الذين استخدموا نايلون… وهناك صفوف من دون أبواب خشب … وكل ذلك كي نتواجد حضوريًا.. وكنت جاهزًا في اليوم السادس من وقف إطلاق النار.. وبدأت أعطي حضوريًا للحلقة الثالثة ثم استدعيت الحلقة الثانية وهذا الأسبوع ستتعلّم كلّ المدرسة حضوريًا”.
غياب قسري للأساتذة
بطبيعة الحال، لم تقتصر الأضرار التي لحقت بالمدارس الرسمية على تلك الماديّة، بل طالت كلّ عناصر العملية التعليمية من أساتذة وطلاب ومدراء وموظّفين وعمّال، فمنهم من نزح ومنهم من فَقد ومنهم من استُشهد، ما أدّى إلى تعثّر العودة الفاعلة.
ومن هذه الأضرار، لفت جواد إلى مشكلة تعاني منها المدارس في كلّ لبنان، وخاصة في المناطق التي كانت تتعرّض للإعتداءات والقصف والغارات، وهي غياب الأساتذة الذين نزحوا إلى خارج الوطن، لا سيّما من غادر إلى العراق او أبعد منها، ولم يعد لديهم القدرة على العودة لحدّ الآن، وأضاف أنّ الرابطة طلبت من وزارة التربية أن تأخذ بعين الإعتبار أنّ هؤلاء الأساتذة لم يغادروا طوعًا، وبأنّ الطريق مقفلة، وأرد نحن منذ الآن وحتى انتهاء عطلتيّ الميلاد ورأس السنة سنكيّف أنفسنا كمدارس بأن نسيّر صفوفنا بالمتوفر والموجود، ونبحث بعد ذلك حول الحلول الثانية، ويمكن أن نبحث عن بديل يحلّ محل هؤلاء الأساتذة إذا تأخروا أكثر، فالتعليم لا ينتظر، كما قطعنا نحو شهرين من السنة الدراسية، لم يتعلّم فيهم الطلاب سوى عدّة أيّام، فالتعليم “أونلاين” كان غير مجدٍ، ولم نعطِ كلّ هذه الفترة سوى درس أو درسين”.
للطالب حرية اختيار كيفية التعلّم
كيف يلتحق الطلاب الذين لم تتوفّر لهم شروط العودة إلى بلداتهم؟ أجاب جواد أنّ الجنوب يقسم إلى قسمين، قسم عاد فيه الأهالي إلى بلداتهم، وقسم ثانٍ عبارة عن بلدات لا يزال يتواجد الإحتلال الصهيوني فيها، ولم يستطع أهلها العودة إليها، والبلدات التي دمّرت بالكامل، ونبّه إلى أنّ هناك أزمة حقيقية، تتعلّق بالأسئلة التالية: “كيف يمكن للناس العودة؟ أين يمكن أن يسكنوا من دون وجود بيوت؟”، ما ينعكس على العملية التربوية والمدارس، وعلى الحضور في المدارس، وأوضح أنّ الرابطة بحثت هذا الموضوع مع وزارة التربية، وتمّ التوصل إلى أنّ يسجّل هؤلاء الطلاب بمكان النزوح، ويترك لهم خيار إن أرادوا المتابعة مع مدرستهم الأساسيّة “أونلاين”، حيث هناك قرار يسمح لهذه المدارس التي لم يستطع سكانها وإداراتها العودة إلى بلداتهم، بالتعليم والتعلّم “أونلاين”، ويترك للطالب حرية الإختيار، بين “الأونلاين” بمدرسته، أو التسجيل حضوريًا بالمدرسة حيث مكان النزوح، وفي حال أعيد فتح مدرسته الأساسيّة لاحقًا، فإنّه يستطيع أن ينقل عبر طلب نقل.
بدل الإنتاجية
إلى ذلك، لطالما تعالت صرخات المعلمين ملاكا ومتعاقدين (على اختلاف مسمياتهم) في قطاع التعليم الرسمي، لا سيّما بعد تأخر دفع مستحقاتهم التي يشكون من قلّتها أصلا، واليوم تعود هذه الصرخات لتطالب بزيادات، بخاصة مع الواقع الجديد الذي فرضته الحرب الهمجية على لبنان.
في هذا الشأن، كشف جواد أنّ مطالب المعلمين ليست جديدة، وهي أن يبلغ بدل الإنتاجية 600 دولار عن الرواتب، و”لكن بعد أن اجتمعنا مع رئيس الحكومة والذي قرّر أن يعطي كلّ القطاع العام أربع رواتب، أخبرناه أنّنا كنّا نتقاضى كمعلمين أقل من القطاع العام براتبين، لأنّ مراسيم الزيادات السابقة استثنت المعلمين.. ووعدنا بأخذهم .. أي سنتقاضى 6 رواتب إضافية ليصبح المجموع 13 راتبًا، وبعملية حسابية بسيطة اذا بلغ متوسط الراتب مليونين و700 أو 900 ألف ليرة، سيكون مجموع الراتب كاملا ما يقارب 17 أو 18 مليون ليرة، أي بمعدل 200 دولار، ولكن ليصبح 600 دولار نحتاج 400 دولار..اليوم بالمفاوضات التي نجريها مع وزارة التربية كروابط بالثانوي والأساسي والمهني وصلنا إلى مبلغ 375 دولار، وهناك جلسة أخيرة قد تثمر أو قد تبقى الأمور على نفس المبلغ، وبذلك نكون حققنا للأساتذة مبلغ 575 دولارا، ويبقى لهم بذمتنا 25 دولارا، ولن نوقف العام الدراسي، ولكن سنحتفظ بحقنا ونأخذ لاحقًا الـ 25 دولارا المتبقية”.
المعركة القادمة
تحدّث جواد عمّا سمّاه بالمعضلة الكبرى التي تؤرق الأساتذة، وهي أنّ هذه الرواتب المضافة ليست داخلة في صلب الراتب، وختم: “معركتنا للمرحلة المقبلة هي أن تكون جميع الزيادات في أساس الراتب.. يعني لا يعقل أن يعود الراتب في حال التقاعد لأساس الراتب الأول وهو 3 مليون ليرة أي ما يعادل 30 دولارا تقريبا، أو متل المتقاعد بحده الأقصى 10 أو 11 راتبا أي نحو 200 أو 300 دولار، وهذا المشكل الذي سوف نقاتل عليه هو أن تكون كلّ التقديمات في صلب الراتب”.
خلاصة القول.. تمّ استئناف التعليم الرسمي بعد وقف إطلاق النار، وأمام اجتياز هذا العام الدراسي بنجاح عوائق كثيرة، بل معضلة حقيقية خاصة لفئة من الطلاب لن تستطيع الحضور “عن قرب” ولا “عن بعد”، في ظلّ غياب الخطة التربوية الشاملة التي ترعى كل هذه التفاصيل وسواها أو لنقل عدم مواكبتها السريعة لذلك، وهذه الفئة الطلابية مهدّدة بخسارة عامها الدراسي الحالي، وما نطرحه إخبار برسم وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان.. فاقتضى منّا التذكير ومنها التحرّك والتدبير!
يمنى المقداد- الديار