
عند تشكيل الحكومة الحالية ابشرنا خيرا عندما علمنا بوجود شخصيتين مخضرمتين طارق متري وغسان سلامه مشهود لهما بالكفاءة والخبرة خاصة في مجال القضايا الانسانية وحل النزاعات، وذلك لما لديهما من تجارب في هذا المجال. وهما قبل كل شيء أستاذين جامعيين في العلاقات الدولية، فالوزير متري كان اول مبعوث أممي عام 2012 الى ليبيا للمباشرة بايجاد حل للحرب الاهلية التي عصفت بها بعد التخلص من حكم معمر القذافي. وكان وزيرا منذ عام 2005 في عدة حكومات للثقافة والإعلام والخارجية بالوكالة في مهمة محددة عام 2006 في آلامم المتحدة عند التصويت على القرار 1701.
وقبله عام 2000 عين غسان سلامه وزيرا للثقافة في حكومة رفيق الحريري لثلاث سنوات، ثم ممثلا خاصا للامين العام للأمم المتحدة في ليبيا عام 2017 لمدة ثلاث سنوات، كما كلف قبلها بمهمة امنية في العراق. كما انه اتهم بالمشاركة مع اخرين في صناعة القرار 1559 الذي أفضى إلى خروج جيش النظام الاسدي من لبنان عام 2005، وايضاً بالمقابل إلى اغتيال الحريري. ويعود اليوم إلى لبنان من الباب العريض وزيرا للثقافة. وبناء لهذه المناصب والخبرات المتنوعة سياسيا ودبلوماسيا لا شك ان للاثنين وجهات نظر ليس بالضرورة ان تكون متطابقة مع وجهات نظر رييس الحكومة او الوزراء او حتى رييس الجمهورية. إلا انه جريا على الأصول والقواعد الدستورية فان اي وزير بامكانه لا بل من حقه ان يعبر عن وجهة نظره، ولكنه في النهاية يلتزم بما يقرره رييس الحكومة والحكومة التي هو عضوا فيها. وبما ان اهم واخطر موضوع تواجهه الحكومة ولبنان اليوم هو سلاح “حزب الله”، وبما ان لبنان لم ولن يتمكن من ايجاد حل لهذه المشكلة بنفسه، وبما ان الصراع هو مع إسرائيل “الشريك المضارب” المدعومة اميركيا والتي خاضت حربا مدمرة على قيادة “حزب الله” وكوادره، وبما انه يسيطر منذ نحو عشرين سنة على السلطة والقرار في لبنان بالتواطؤ مع الفاسدين وأكلة الجبنة في السلطة، ما جعل منها اشبه بتحالف مافيوي أفلس النظام المالي وأفقر الناس.
وتشاء “الصدف” ان “حزب الله”هذا مسلح حتى النخاع وبدعي تمثيل مصالح الشيعة ومصر على الاحتفاظ بسلاحه رغم الكارثة التي أصيب بها من إسرائيل بدءا من اغتيال زعيمه حسن نصرالله الذي صنع من “حزب الله” رقما محليا واقليميا وراس حربة متقدمة لسياسة التوسع الإيرانية في المنطقة.
ومع ذلك يطالعنا الوزير سلامه بنظرية تقول ان “إن تعبير نزع السلاح غليظ ويجب إعادة النظر بهذا المفهوم”. فهل المشكلة هي باللغة ويجب استعمال مفردات اكثر نعومة ودبلوماسية ام بالمضمون لدرجة انه اصبح مزعجا لمن هو خاطف البلد بسلاحه، فهل يدعو سلامه إلى اعادة النظر بالموقف الرسمي الذي يطالب بتسليم هذا السلاح؟ سلامه يعطي مثل ليبيا التي يوكّد انها حوت (وتحوي) 20 مليون بارودة وسكانها لا يتجاوزون 7 مليون، فهل ان هذا السلاح لم يعد منتشرا في ليبيا ولم يعد توجد ميليشيات مسلحة فيها؟ علما ان فيها حاليا اكثر من حكومة واكثر من جيش والسلاح منتشرا والميليشيات لا تزال تسرح وتمرح والأمم المتحدة التي مثلها يوما سلامه لم تفلح حتى الان في حل الميليشيات وضبط السلاح واعادة مركزية الدولة إلى ليبيا. والاهم من ذلك كله ان الوزير سلامه يتعاطى وكانه يجهل الوضع اللبناني وبعيد عنه وعن دور “حزب الله” ونفوذه وارتباطه، ويتعاطى معه وكانه حزب فرنسي او مقاومة أوروبية فرنسية او إيطالية او إسبانية سلمت سلاحها بملء ارادتها بعد ان أتمت عملية التحرير او تم اسقاط الحكم الفاشي الديكتاتوري وعاد البلد إلى الحياة الديموقراطية. اكثر من ذلك يعتبر الوزير سلامه ان هناك “دايما فرص” ما يعني ان لبنان بامكانه ان يتحمل بعد البقاء رهينة لدولة “حزب الله” بانتظار فرصة ما ممكن ان تتقدم له يوما ما، ام انه سينهار ليصبح دويلات طائفية مذهبية مدججة بالسلاح بانتظار ان تنهار بوما ما ايران الخامنيية؟