
في حفل وطني–ثقافي استثنائي احتضنه القصر البلدي في زحلة، وتحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون، أُطلق رسميًا مشروع متحف “سعيد عقل إن حكى”، أوّل متحف من نوعه يُجسِّد ذاكرة شاعر لبنان الخالد عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، بمبادرة من بلدية زحلة – معلقة وتعنايل ومجلس قضاء زحلة الثقافي وبالتعاون مع سيدة اللويزة NDU.
شهد الحفل حضورًا رسميًا لافتًا تقدّمه معالي وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة ممثّلًا رؤساء السلطات الدستورية الثلاث فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس النواب ودولة رئيس مجلس الوزراء، إلى جانب حضور حاشد لعدد من وزراء، نواب، سفراء، قضاة، قادة أجهزة أمنية، رؤساء أحزاب، رؤساء طوائف، مدراء عامّين، أدباء، شعراء، فنانين، وفعاليات من مختلف المجالات، ما عكس مكانة الحدث ورمزية الشخصية المحتفى بإرثها.
قدّم الحفل رئيس قسم البروتوكول في جامعة سيدة اللويزة الاعلامي ماجد ابو هدير، واستُهِلَّ بكلمة رئيس بلدية زحلة معلقة وتعنايل المهندس سليم غزالة، الذي أكد أنّ زحلة “تُشيِّد اليوم صرحًا يليق بعملاق الكلمة اللبنانية، لا بوصفه شاعرًا فحسب، بل مدرسة وناقوسًا لصحوة الوجدان”، مشيرًا إلى أنّ سعيد عقل هو الذي “رسم للبنان في فلسفته مكانة الأبد” واعتبر أن “زحلة قلب لبنان وذاكرته الحيّة”.
ولفت غزالة إلى أنّ المتحف ليس مشروعًا تقنيًا فحسب، بل “جسر يمتد من الذاكرة إلى المستقبل”، معلنًا بفخر عن أرض خصّصتها البلدية لتكون منارة ثقافية رقمية تَستَخلص الماضي من دفاتر الشعر وتقدّمه لأجيال اليوم بصيغ جديدة.
كما شكر مجلس قضاء زحلة الثقافي وجامعة NDU “لحفظهما الإرث وتعاونهما الصادق في مشروع يُجسّد البعد الفكري للمدينة”.
بدورها، ألقت رئيسة مجلس قضاء زحلة الثقافي السيدة كريستين زعتر كلمة حملت بُعدًا وجدانيًا ووطنيًا. وقد شدّدت فيها على أنّ سعيد عقل “ما زال ينهض في كل فجر كما تنمو شجرة صنوبر في الريح، ولا يزال صدى صوته يطلّ كل صباح من حنجرة فيروز” ، معتبرة أنّ إطلاق المتحف “هو إعلان ولادة بيت لذاكرة شاعر صاغ هوية زحلة كما صاغ مجد لبنان”.
ولفتت زعتر إلى أن المتحف، بتقنياته التفاعلية والافتراضية، “لن يكون مجرد صرح ثقافي، بل مركز استقطاب وإبهار للزائرين، يُثبّت أن فكر سعيد عقل لا يشيخ”. وأعلنت أنّ المشروع يشمل تجارب واقع افتراضي، ألعاب تفاعلية، شاشات ثلاثية الأبعاد، ومكتبة إلكترونية تُعيد تشكيل تاريخ زحلة ولبنان برؤية معاصرة.
وختمت بالتأكيد على دعم فخامة رئيس الجمهورية لهذا الحدث الذي “يؤمن بأن الثقافة فعل سيادة وبناء وبقاء”، شاكرةً بلدية زحلة وجامعة NDU على “احتضان إرث الشاعر كما تُحتضَن الجوهرة في قلب راعٍ أمين” .
ثم كانت الكلمة لـ الأب بشارة الخوري، رئيس جامعة سيدة اللويزة NDU، الذي أعلن أنّ الجامعة تقف اليوم “أمام مناسبة تُعيد إلينا بعضًا من لبنان الذي أحبّه سعيد عقل: لبنان الضوء والرقي والإبداع”.
وأشار إلى أنّ الجامعة، التي تحتفظ بإرث الشاعر ومخطوطاته ومحفوظاته، “تؤدي دور الحافظة الأمينة لتراثه، والمساحة التي تُنير للأجيال عبقريته وإيمانه بالإنسان والوطن”.
ولفت الخوري إلى أنّ دمج الذكاء الاصطناعي في تصميم هذا المتحف “ليس تفصيلًا تقنيًا بل خيار فكري يعيد تحديد علاقة الزائر بالذاكرة، ناقلًا إرث سعيد عقل من عالم الورق والزجاج إلى فضاء يتكلم ويتنفس”.
وشدّد على أن المشروع “جسر يمتد من الجامعة إلى زحلة ولبنان والعالم”، مشيرًا إلى أنّ المتحف، في جوهر رؤيته، “يحاكي روح سعيد عقل كأنه حاضر بيننا”.
وفي ختام هذه الكلمات، ألقى معالي وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة كلمة باسم رئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب والوزراء، حيث اكد ان “الشعر خيط يجمعنا بالتراث وبالتاريخ وبأصول هويتنا”.
ولمدينة زحلة توجه سلامة وقال : لزحلة تلك المدينة الثابتة العفوية والمعطاءة، أفضالٌ كثيرة على لبنان لكن اعظمها هو انها منبتٌ للشعر والشعراء، ما اكثرهم وما ابدعهم وما اعظمهم تأثيرًا في النفوس والقلوب”. وختم : “اهنّئ المجلس البلدي، والمجلس الثقافي، وجامعة سيدة اللويزة على تكاتف امكانياتهم جميعًا لكي يكون لهذا العملاق في الشعر متحفه الخاص وأضع كل امكانيات الوزارة في خدمتهم”.
وفي ختام الحفل، قدِّم درعًا تكريميًا من تصميم الفنان جهاد القاصوف إلى معالي الوزير تقديرًا لدعمه وحضوره.
وإلى جانب الكلمات، تضمّن الحفل عرض تقرير مصوّر عن متحف سعيد عقل إضافة إلى وقفة فنية مع الفنان نقولا الأسطا.
زحلة تُجدّد العهد مع شاعرها من خلال هذا المشروع، وتُعيد وصل حكايتها بحكاية ابنها الذي ما غاب. فالمتحف الذي سيُقام بمحاذاة أسوار الكلية الشرقية، حيث “درس ودَرَّس، وحَلِمَ وثَار، ودوى صوته أول مرة، سيعيد الشاعر إلى المكان الذي صاغه وشهد ولادة صوته الأول. إنه عودةٌ لا بالجسد، بل بالذاكرة، وبالضوء، وبالهوية.
ها هو “سعيد عقل… إن حكى”، يعود إلى أبنائه ليقول لهم إن الإرث لا يُعلَّق في الذاكرة، بل يُروى، يُعاد تشكيله، ويُسلَّم إلى المستقبل.




