الزواج بين العدل والإصلاح بقلم خالد السلامي 

 

الزواج في الإسلام ليس ساحة صراع، ولا ميدان إثبات قوة، بل هو ميثاق غليظ أُقيم على المودة والرحمة والعدل، وجُعل سكنًا نفسيًا قبل أن يكون علاقة شكلية. وكل خللٍ يضرب هذه القيم، مهما كان مبرره، يُعد خروجًا عن روح هذا الميثاق.

إن من أعظم أسباب التوتر الأسري أن تتحول الحقوق إلى أدوات ضغط، وأن يُستبدل الحوار بالاتهام، وأن تُستدعى الظنون بدل الحقائق. وقد وضع الإسلام ضوابط دقيقة تحفظ كرامة الزوجين وتمنع الظلم من أي طرف.

فالزوجة مطالبة شرعًا بأداء حقوق زوجها بالمعروف، ومن ذلك الطاعة في غير معصية، وحفظ العشرة، وعدم الامتناع المتعمد عن الحقوق الزوجية دون عذر شرعي. لكن في المقابل، لا تُلزم الشريعة المرأة بالصبر على الظلم أو الإيذاء أو الإهمال، فالعدل أساس التكليف، ولا طاعة مع الضرر.

والغيرة، وإن كانت فطرة إنسانية، إلا أن الإسلام فرّق بين الغيرة المحمودة التي تحفظ الود، والغيرة المرضية التي تفسد القلوب وتهدم البيوت. فالشك الدائم، وسوء الظن، والتجسس، واتهام الزوج بالخيانة دون بينة، كل ذلك محرم شرعًا، لما فيه من قذف وتعدٍّ على العرض وتشويه للسمعة، وقد حذّر الله من الظن، وجعل القذف من كبائر الذنوب.

كما أن رفع الصوت، والعناد، والإهانة، ليست من أخلاق المسلم ولا من هدي الزوجية الصالحة، بل هي أسباب مباشرة لانكسار القلوب، وتعطيل لغة التفاهم. وقد أمر الإسلام بالمعاشرة بالمعروف، وجعل الكلمة الطيبة بابًا للإصلاح لا للتصعيد.

وفي جانب النفقة، أوجب الشرع على الزوج الإنفاق بحسب استطاعته، لا بحسب رغبات غير منضبطة، وحرّم تحميله ما لا يطيق، كما حرّم الابتزاز العاطفي أو المالي، لأن التكليف مرتبط بالوسع، لا بالمقارنة ولا بالمظاهر.

والأنانية، وجفاف المشاعر، وغياب التعاطف، وإن لم تكن دائمًا محرمات صريحة، إلا أنها تخالف مقاصد الزواج، وتفرغه من معناه الحقيقي. فالبيت لا يُبنى على الحقوق المجردة، بل على الرحمة المتبادلة، والشعور بالآخر، وتحمل الضعف الإنساني للطرفين.

أما السعي لتدمير سمعة الزوج، أو تشويه اسمه اجتماعيًا، أو نشر اتهامات بلا حق، فهو حرام قطعًا، وظلم صريح، وإفساد متعمد، لا يبرره غضب ولا خلاف، لأن الإسلام حفظ الكرامة حتى في الخصومة.

إن الإصلاح لا يبدأ بالإدانة، بل بالفهم، ولا ينجح بالصراخ، بل بالحكمة، ولا يُثمر بالضغط، بل بالعدل. وكل علاقة زوجية فقدت الرحمة، تحتاج إلى مراجعة صادقة، وحوار واعٍ، وربما علاج مختص، قبل أن تصل إلى مرحلة الانهيار.

فالزواج عبادة، والعدل فيه عبادة، والإصلاح فيه أجر، ومن حفظ الميثاق، حفظه الله، ومن ظلم، خسر السكن ولو بقي الشكل

المستشار الدكتور خالد السلامي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى