
برعاية وحضور صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أقيم حفل اكتمال «معجم الدوحة التاريخي للغة العربية» في فندق فيرمونت رافيلز في لوسيل – الدوحة بحضور وزير الثقافة الشيخ عبدالرحمن بن حمد بن جاسم بن حمد آل ثاني ووزيرة التربية والتعليم العالي السيدة لولوة بنت راشد الخاطر وممثلو المنظمات الإقليمية والدولية، ورؤساء مجامع اللغة العربية والمهتمين بالثقافة العربية، وشخصيات فكرية وثقافية واجتماعية وأكاديمية وإعلامية من قطر ومختلف الدول العربية.
افتتح الحفل بالنشيد الوطني القطري، وآيات من القرآن الكريم ثم كانت كلمات لعدة شخصيات منهم: المدير العام للمعجم الدكتور عزمي بشارة ، والمدير التنفيذي للمعجم عزالدين البوشيخي،
ومدير عام منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) د. سالم بن محمد المالك، ووزيرة التربية
والتعليم العالي السيدة لولوة الخاطر ..
سمو الأمير تميم
وحول أهمية هذا المشروع، قال سمو الشيخ تميم بن حمد: «نفتخر في قطر باكتمال “معجم الدوحة التاريخي للغة العربية”، الذي يعزز بمادته الثرية تمسك شعوبنا بهويتها وانفتاحها على العصر ووسائله الحديثة بكل ثقة. وهذه مناسبة لشكر كل من ساهم في هذا المنجز الحضاري التاريخي الذي نعتبر اكتماله ومراحل إنجازه مظهراً من مظاهر التكامل العربي المثمر.»
أهمية التثمار
أما وزيرة التربية والتعليم العالي السيدة لولوة الخاطر فقد أكدت على أهمية المكانة المحورية لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية ودوره الفاعل في دعم تعليم اللغة العربية، مشددة على ضرورة الاستثمار في المشاريع اللغوية الكبرى، بوصفها ركيزة أساسية لبناء المعرفة وصون الهوية الثقافية وترسيخ مكانة اللغة العربية في الحاضر والمستقبل.
، وأشارت إلى أن المعجم يمثل الجدية والاستمرارية، بالإضافة إلى القدرة على الجمع والتأليف، بعدما أصبح العمل الفكري الجاد والمستمر في العالم العربي يعاني من غياب سوق رائجة له. وأكدت معاليها أن أهمية المعجم تكمن في عدة عناصر، منها جديته وطبيعته التراكمية، علاوة على المؤسسة الحاضنة له، والتي تتمتع بغزارة الإنتاج، وزخم التأليف والترجمة والبرامج الأكاديمية.
صهر التباينات
وقالت معاليها إن المعجم نجح في صهر التباينات بين المشتغلين عليه، في ظل اختلاف جنسياتهم، وانتمائهم إلى مدارس فكرية متباينة، إلا أنهم اجتمعوا وعلى مدى أكثر من 10 سنوات في سبيل إنجاز مشروع جامع ونافع، وضمن إطار منهجي، أسفر عن فتح آفاق معرفية فريدة ورائدة ظلت أجيال سابقة تحاول بلوغها، في عالم عربي مات فيه الحوار منذ زمن.
وأكدت السيدة لولوة أن الفضل الكبير في إنجاز هذا المشروع الضخم يعود إلى حكمة وحسن قيادة سمو الشيخ تميم الذي يدعم كل المشاريع التي تساهم في نهضة قطر والأمة.
مشروع حضاري
وعن مضمون هذا المشروع وأهميته تحدث أ. د. محمد العبيدي، أحد مؤسسي معجم الدوحة التاريخي ونائب المدير التنفيذي، إلى مراسلة موقع magazinelb.com ماري – راغدة الحلبي ، فقال:
إنه يومٌ مشهود في تاريخ اللغة العربية، وفي تاريخ الأمة العربية جمعاء.
فنحن أمام حدثٍ علميٍّ وحضاريٍّ استثنائي، يتمثل في إطلاق مشروع معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، وهو مشروع امتد العمل فيه لأكثر من ثلاثة عشر عامًا من البحث الدؤوب والجهد العلمي المتواصل.
هذا المعجم ليس كغيره من المعاجم.
فهو لا يقتصر على كونه كتابًا يشرح معاني الكلمات، بل يتجاوز ذلك ليكون مشروعًا لغويًا وحضاريًا كبيرًا، يقدّم تصورًا جديدًا للمعجم العربي.
فمعجم الدوحة التاريخي يؤرّخ لألفاظ اللغة العربية منذ بداياتها الأولى، ويضع لكل لفظة ما يشبه السيرة الذاتية، متتبعًا تاريخها منذ أقدم عصور الاستعمال وصولًا إلى العصر الحديث.
وهو يرصد الألفاظ العربية كافة، ثم يتتبع مبانيها المختلفة، أي اشتقاقاتها، كما يرصد تطوّر معانيها واستعمالاتها عبر العصور.
كنز علمي
ويبدأ هذا التأريخ من أقدم نص عربي وصل إلينا، وهو نص مالك بن فَهْم الأزدي المؤرخ بسنة 403 قبل الهجرة، ليستمر إلى زمننا الحاضر دون انقطاع.
إننا أمام كنز علمي حقيقي، ينتفع به كل عربي، سواء أكان باحثًا أم طالبًا أم معلّمًا أم قارئًا مهتمًا باللغة العربية.
ويعتمد هذا المعجم اعتمادًا أساسيًا على مدوّنة لغوية ضخمة جُمعت خصيصًا له، تضم ملايين السياقات ومليارات الكلمات، وتشمل تقريبًا كل ما أمكن الوصول إليه مما كُتب باللغة العربية قديمًا وحديثًا.
ولم تقتصر هذه المدوّنة على النصوص المطبوعة أو المرقمنة، بل شمل العمل أيضًا النصوص التي لم تكن منشورة أو مرقمنة، حيث جرى تحقيقها ورقمنتها وإدراجها ضمن هذه المدوّنة الكبرى، التي أصبحت متاحة لجميع المستخدمين.
قصة لكل كلمة
وبذلك يمكن لأي شخص أن يبحث عن لفظة معينة، فيتعرّف إلى مواضع ورودها، ومن استعملها، وفي أي تاريخ، وبأي سياق. وإذا أراد الوقوف على المعنى، فإن المعجم لا يقدّم تعريفًا مختصرًا للكلمة، بل يقدّم تاريخها الكامل.
وتُضبط كل لفظة في المعجم ضبطًا كاملًا، ويُذكر معناها، وأول استعمال لها، ويُورد الشاهد النصي مع تحديد تاريخه، كما يُبيَّن وسمها الصرفي، من حيث كونها اسمًا، أو مصدرًا، أو اسم زمان، أو غير ذلك.
ثم ينتقل القارئ من المعنى الأول إلى المعنى الثاني، ثم الثالث، فالرابع، وصولًا إلى المعنى المستعمل في العصر الراهن.
ويمتاز هذا المعجم بأنه لا يقتصر، كما هو الحال في المعاجم القديمة، على نصوص عصر الاحتجاج فقط، بل يؤرّخ للألفاظ في استعمالاتها اللاحقة والحديثة. فكل لفظ يُستعمل بمعنى جديد، ويشيع هذا المعنى ويثبت في الاستعمال، يُدرج في المعجم.
عمل معرفي شامل
كما يضم المعجم الألفاظ المُعرَّبة التي دخلت إلى اللغة العربية من لغات أخرى، فيؤصّلها ويذكر جذورها، ويورد النقوش العربية القديمة، ويعرض النظائر السامية للألفاظ.
ولهذا كله، فإن معجم الدوحة التاريخي للغة العربية ليس معجمًا بالمعنى التقليدي، بل عمل معرفي شامل، يجد فيه الباحث والقارئ كل ما يحتاج إليه.
خطط مستقبلية للجذب
وحول مدى إمكانية هذا المشروع في جذب الأجيال الصاعدة كي يعشقوا جمال اللغة العربية ويهتموا بها، يقول أ.د. العبيدي:
“من ضمن خططنا المستقبلية القادمة أن تتضمن البوابة الإلكترونية للمعجم عناصر تفاعلية مشوّقة، من بينها الألعاب اللغوية، والمسابقات، والمواد الجاذبة التي يمكن أن تغري القارئ والطالب والمتعلّم بالعودة إلى لغته، واستعادة ألقها وقيمتها.”
وأضاف، “نحن لا نقدّم الألفاظ بمعزل عن سياقاتها، بل نستخرجها من السياقات الحيّة، ونركّز كذلك على الألفاظ المستعملة في النصوص المختلفة، بما يعزّز فهمها ويقرّبها من المستخدم المعاصر.”
وفي نهاية الحفل، كرّم سمو الأمير المفدى تميم بن حمد الخبراء والباحثين والمحررين الذين عملوا على إكمال مشروع معجم الدوحة التاريخي. بعدها، انطلقت أعمال مؤتمر الذكاء الاصطناعي وخصائص اللغة العربية، الذي استمر على مدى يومين، وتناول قضايا متعددة تتصل بحضور اللغة العربية في أنظمة الذكاء الاصطناعي، وآفاق توظيفها في التقنيات الحديثة، بمشاركة نخبة من كبار المتخصصين في اللغة العربية والذكاء الاصطناعي.

الإعلامية ماري – راغدة الحلبي



