الإنفلونزا مُقابل COVID-19… أيّهما الأخطر؟

يشهد لبنان خلال فصل الشتاء الحالي موجة متزايدة من حالات الإنفلونزا الموسمية، مع انتشار سلالة A (H3N2)، مما يثير مخاوف جدية حول الضغط المتزايد على المستشفيات والقطاع الصحي، خصوصا مع تزايد التنقلات والتجمعات الاجتماعية والمناسبات الاحتفالية.

هذه السلالة المعروفة بانتشارها السريع وأعراضها الشديدة، تُشكل تهديدا خاصا على الفئات الأكثر هشاشة، بما في ذلك كبار السن والأطفال الصغار والحوامل، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل القلب والسكري والرئة والمناعة الضعيفة.

 

ما تحتاج لمعرفة سلالة H3N2

 

تعتبر سلالة H3N2 واحدة من أكثر أنواع فيروس الإنفلونزا A انتشارًا، حيث تنتقل بسهولة عبر الرذاذ المتطاير عند العطس أو السعال أو حتى التحدث. كما يمكن أن تنتقل العدوى عن طريق لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ما يجعل السيطرة عليها أكثر تحديًا، خاصة في الأماكن المغلقة والمزدحمة.

تختلف هذه السلالة عن غيرها بسرعة انتشارها وشدة أعراضها، والتي تتراوح بين الحمى، القشعريرة، آلام العضلات والمفاصل، الصداع، السعال المستمر، احتقان الحلق، سيلان الأنف، والغثيان أو الإسهال عند الأطفال. بينما تكون الأعراض خفيفة عند الأشخاص الأصحاء، فإنها قد تتحول إلى مضاعفات خطرة لدى أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن.

الفئات الأكثر عرضة

تُعتبر بعض الفئات السكانية أكثر هشاشة أمام مضاعفات الإنفلونزا الموسمية، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة، حيث يتضاعف خطر إصابتهم وتدهور حالتهم الصحية بسرعة مقارنة بالأشخاص الأصحاء. يعود ذلك إلى ضعف قدرة الجهاز المناعي على مواجهة العدوى، بالإضافة إلى تأثير الفيروس المباشر في الأجهزة الحيوية التي تعاني من خلل أو ضعف مسبق.

مرضى القلب والأوعية الدموية على سبيل المثال، هم من بين الأكثر تأثرًا، إذ يمكن للإنفلونزا أن تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم بشكل مفاجئ، وتفاقم اضطرابات النبض، وحتى تحفيز حدوث نوبات قلبية بسبب الالتهاب المصاحب للعدوى. هذه التفاعلات تجعل أي إصابة بالفيروس محفوفة بالمخاطر، وتستدعي متابعة طبية دقيقة، خصوصًا لدى من لديهم تاريخ مرضي مع النوبات القلبية أو فشل القلب المزمن.

أما مرضى السكري، فهم أيضا عرضة بشكل كبير، حيث يؤدي ضعف التحكم في مستويات السكر إلى تقليل فعالية الجهاز المناعي، ما يجعل الجسم أقل قدرة على مكافحة الفيروس. كما تزداد احتمالية حدوث التهابات ثانوية، خصوصًا في الرئتين أو المسالك البولية، مما قد يؤدي إلى مضاعفات خطرة تتطلب العلاج بالمضادات الحيوية أو العلاج بالمستشفى.

أمراض الرئة المزمنة مثل الربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD) تجعل الوضع أكثر خطورة، إذ أن أي التهاب تنفسي، حتى لو كان بسيطًا، قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض الأساسية، ضيق في التنفس، أو مضاعفات رئوية حادة مثل الالتهاب الرئوي، وهو ما قد يهدد الحياة إذا لم يتم التدخل الطبي بسرعة.

بالإضافة إلى ذلك، يُعد ضعف المناعة عاملًا حاسمًا في تحديد خطورة الإصابة. فالأشخاص المصابون بالسرطان، أو الذين يتلقون أدوية مثبطة للمناعة، يكونون أقل قدرة على مواجهة الفيروس، مما قد يؤدي إلى تطور سريع للحالة الصحية، وقد تصل الحاجة إلى إدخالهم إلى المستشفى لمتابعة دقيقة وعلاج مكثف.

أما الحوامل وكبار السن، فهم فئات أخرى تتطلب عناية خاصة، حيث تضعف الاستجابة المناعية لديهم بشكل طبيعي، ما يزيد خطر الإصابة بالالتهاب الرئوي، وفشل الأعضاء، أو مضاعفات تهدد الحياة. بالنسبة للحوامل، قد تؤثر الإنفلونزا أيضًا على صحة الجنين، خصوصًا في الثلثين الثاني والثالث من الحمل، ما يجعل الوقاية المبكرة والحصول على اللقاح أمرًا ضروريًا.

لهذه الأسباب، تُعتبر هذه الفئات الأكثر عرضة لمضاعفات خطيرة، وهو ما يستدعي اتخاذ إجراءات وقائية مشددة، بما في ذلك التطعيم ضد الإنفلونزا، الالتزام بالإجراءات الصحية مثل غسل اليدين وتجنب الاختلاط عند الشعور بالأعراض، والمتابعة الطبية الفورية عند ظهور علامات تحذيرية مثل ضيق التنفس أو الحمى الشديدة. إن الوعي المبكر والتدخل السريع يمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر المضاعفات، ويحمي هؤلاء الأفراد من تدهور حالتهم الصحية المحتمل.

مقارنة بين إنفلونزا H3N2 وCOVID-19

على الرغم من أن كلًا من إنفلونزا H3N2 وCOVID-19 هما أمراض تنفسية فيروسية تنتقل بشكل رئيسي عبر الرذاذ الناتج عن السعال أو العطس أو المخالطة القريبة، إلا أن هناك اختلافات جوهرية بينهما تؤثر على خطورة العدوى، الأعراض، والاحتياطات الواجب اتخاذها.

تُعدّ H3N2 سلالة من فيروس الإنفلونزا A، وهي موسمية بطبيعتها، وتظهر ذروتها عادةً في فصل الشتاء، بينما COVID-19 ناجم عن فيروس SARS-CoV-2 الذي قد ينتشر على مدار السنة ويتميز بمعدلات إصابة واسعة النطاق وسريعة الانتشار.

من حيث الأعراض، يشترك كلا الفيروسين في ظهور الحمى، السعال، التعب، وآلام العضلات، إلا أن COVID-19 غالبًا ما يصاحبه فقدان حاسة الشم أو التذوق، بينما H3N2 يسبب أعراضًا معوية مثل الغثيان والإسهال بشكل أكثر وضوحًا عند الأطفال.

أما فيما يخص المضاعفات، فتكون H3N2 أشد خطورة لدى الفئات التقليدية الأكثر عرضة، مثل كبار السن، الأطفال الصغار، الحوامل، ومرضى الأمراض المزمنة (القلب، السكري، الرئة). بينما COVID-19 يُظهر خطورة إضافية بسبب قدرته على التسبب بمتلازمات التهابية متعددة مثل الالتهاب الرئوي الحاد، جلطات الدم، ومضاعفات على المدى الطويل حتى بعد التعافي.

الوقاية والعلاج

من ناحية الوقاية والعلاج، تُعد لقاحات الإنفلونزا السنوية فعالة جزئيًا ضد H3N2 وتحدّ من شدة الأعراض والمضاعفات، فيما تم تطوير لقاحات COVID-19 بناءً على تقنية mRNA أو الفيروسات المعطلة، وتُعد ضرورية لتقليل معدلات الاستشفاء والوفاة، خاصة لدى الفئات الأكثر عرضة. علاوة على ذلك، يتطلب COVID-19 تدابير احترازية صارمة مثل التباعد الاجتماعي والكمامات في الأماكن المزدحمة، بينما تظل الإجراءات الوقائية التقليدية كغسل اليدين وتهوية الأماكن كافية للحد من انتشار H3N2 في معظم الحالات.

باختصار، بينما يظل كلا الفيروسين تهديدًا للصحة العامة، فإن H3N2 يُشكل خطورة أكبر على الفئات الضعيفة والمصابة بأمراض مزمنة، فيما COVID-19 يمتاز بقدرة انتشار أعلى ومضاعفات أوسع على جميع الأعمار، مما يتطلب وعيًا صحيًا ومتابعة دقيقة لكل من الفيروسين، خصوصًا خلال فترات الذروة الشتوية.

تأثير الطقس والمواسم في انتشار الإنفلونزا

يعتبر الطقس عاملا رئيسيا في انتشار فيروس الإنفلونزا، إذ تسهم درجات الحرارة المنخفضة وانخفاض الرطوبة في زيادة قدرة الفيروس على البقاء والانتقال بين الأشخاص. فعند برودة الطقس، تنكمش الأوعية الدموية في الجهاز التنفسي، ما يقلل من فعالية جهاز المناعة في مقاومة العدوى، ويسهّل دخول الفيروس إلى الجسم. كما يؤدي الهواء الجاف إلى جفاف الأغشية المخاطية في الأنف والحلق، مما يجعلها أقل قدرة على صد الفيروسات.

تزداد خطورة هذا التأثير خلال مواسم الشتاء وأوقات العطلات، حيث يكثر التجمع والتقارب بين الأفراد في الأماكن المغلقة، ما يسرع من انتشار العدوى. لذلك، يمثل الطقس عاملاً مؤثرًا بشكل مباشر في سرعة انتشار الإنفلونزا، ويستوجب اتخاذ إجراءات وقائية أكثر صرامة خلال هذه الفترات، مثل ارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة، والحفاظ على ترطيب الجو داخل المنازل، وغسل اليدين بانتظام.

التطعيم السنوي

والالتزام بالإجراءات الوقائية

أخيراً، تُعد إنفلونزا H3N2 تهديدا حقيقيا للفئات الأكثر ضعفا، مثل كبار السن، الأطفال الصغار، الحوامل، ومرضى الأمراض المزمنة، نظرًا لشدة أعراضها وسرعة انتشارها، خاصة مع انخفاض درجات الحرارة وزيادة التجمعات الشتوية. مقارنة بـCOVID-19، يظل H3N2 أخطر على الفئات الضعيفة، بينما COVID-19 يتميز بانتشار أوسع ومضاعفات طويلة المدى.

لذلك، يظل التطعيم السنوي والالتزام بالإجراءات الوقائية، مثل غسل اليدين وارتداء الكمامات وتهوية المنازل، أمرًا أساسيًا للحد من المضاعفات وحماية الصحة العامة خلال موسم الشتاء.

الديار- شانتال عاصي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى