من غير الممكن إحصاء عدد المرّات التي يتطرق خلالها السياسيون، نواباً ومسؤولين، للتأكيد على الحوار الداخلي. كلمة حوار «حاضرة ناضرة». لكنها تبقى فضفاضة لا تفي بغرضها على المستوى الداخلي. بشهادة التجارب السابقة لم ينجح أي حوار ثنائي أو رباعي داخلي من دون راعٍ إقليمي أو دولي. وخارجياً حاولت أكثر من دولة استضافة حوار بين اللبنانيين للإتفاق على رئيس. لم تكن سويسرا إلا واحدة من دول عدة لا تزال تتحين الفرص لإستضافة حوار لبناني لبناني ولكن الأوضاع المحيطة لم تنضج بعد.
وفي محاولة للهروب الى الأمام وعلى طريقته، طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوته النواب إلى حوار في جلسة الخميس المقبل. بات بري على يقين أنّ هذه الجلسة وكسابقاتها ستنتهي إلى فشل ذريع فعاد إلى حيث كان قد بدأ قبل أسابيع ناصحاً بالتوافق للخروج بالنتائج المرجوة. أوساط رئيس المجلس تقول إنّ الأجواء حتى الساعة إيجابية وأنّ الدعوة شكلت محاولة لإعادة إحياء فكرة الدعوة إلى طاولة حوار كان سبق ودعا إليها بري وأفرغها الآخرون من مضمونها ورفضوها على اعتبار أنّ الأجدى إنتخاب رئيس للجمهورية.
واجه بري جملة إنتقادات يوم ربط موعد إنعقاد جلسات إنتخاب الرئيس بالتوافق. إعتبر كثيرون أنّ المفروض إطلاق العنان للنواب ليختاروا الرئيس وأنّ الإتفاق المسبق على المرشح ضرب للنظام الديمقراطي البرلماني. وبدا النواب الجدد على اختلاف تسمياتهم أول المتصدّين تلتهم كتل نيابية أساسية فكان أن عجز المجلس وفي ضوء تسع جلسات متتالية عن إنتخاب الرئيس. جلسة تلو الأخرى أفرغت جلسات الإنتخاب من مضمونها، وصار المشهد هزلياً غير ذي فائدة بالنظر لما يُكتب على أوراق الإقتراع من رسائل سياسية لا تؤدي غرضها. وفق الأوساط المحيطة برئيس المجلس، كان المبرر لمثل هذه الدعوة الروتين الممل الذي بات يطبع جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب. يريد بري أن يضع حداً للفشل القائم بفتح كوة بين النواب لعلها تشكّل بداية حوار في ما بينهم، على أن يكون الحوار محصوراً بنقطة واحدة هي موضوع رئاسة الجمهورية، حيث تسمي كلّ كتلة مرشحها وتحدد مواصفات الرئيس الذي تريده لنصبح أمام عملية استمزاج آراء للنقاش بشأنها. وإذا حصل ووافق الجميع فيفترض أن يُستعاض عن جلسة الخميس بطاولة حوار نيابية قد لا تخرج بنتائج عملية ونهائية ولكنها تكون خطوة على الطريق الصحيح. ترفض مصادر نيابية إستباق الوقت بالحديث عن النتائج وتقول من السابق لأوانه التنبؤ بالنتائج لأنّ النجاح المرجو يستلزم أكثر من جلسة ولذا يمكن إعتبارها بداية المسار لنقاش المكونات في ما بينها لربما نجحت في التوصل إلى نقاط تقاطع تشكل أرضية وتساعد على فتح الطريق للإتفاق على شخص الرئيس.
مصادر أخرى رأت في الجلسة محاولة من بري لإعادة كرة اللهب الى أصحابها، فعلى مدى جلستين متتاليتين حاول عدد من النواب رمي الكرة في ملعب بري طالبين منه إقفال باب المجلس الى أن يتم الإتفاق على رئيس وعدم تضييع الوقت، وكأنّ المطلوب تحميله مسؤولية الفشل في انتخاب الرئيس، فأتاهم بري بالجواب. لا تنفي المصادر وجود عقبات ومعوقات لكن لا بدّ من فتح النقاش حول اسم الرئيس والمواصفات وطرح أفكار بهذا الخصوص.
واذا كان «التيار الوطني الحر» ينظر الى جلسة الحوار في مجلس النواب على أنّها جلسة نقاش حول رئيس الجمهورية فإنه يعوّل على دور بكركي في هذا الإطار لإستضافة حوار ولو ثنائي على مستوى القيادات المسيحية غير أنّ بكركي التي سبق وخاضت التجربة ومُنيت بخيبة، ليست بصدد تكرار الدعوة مجدداً وهي تعرف مدى التباعد بين قيادات الصف الأول المسيحية وتتجنب الدخول في مغامرة غير محسوبة العواقب، وهي لا تتردد في التأكيد أنها لا تدخل في بازار التسميات أو وضع الفيتو على أي مرشح مستندة إلى المواصفات التي سبق وحددها الراعي. في رأي مصادر نيابية، أنّ حوار بكركي إن حصل سيكون عاملاً مساعداً ومتكاملاً مع حوار مجلس النواب ولو أنه يبدو غير ممكن حالياً. لكن وعلى ما يبدو وبالنظر إلى ما قاله رئيس «التيار» جبران باسيل من أنّ رئيس القوات سمير جعجع لن يلبي مثل هذه الدعوة فهو إذا أعلن عدم إمكانية الحوار مسيحياً، أمّا الحوار بين الكتل فيحيلنا إلى تجارب جلسات سابقة بقيت نتائجها حبراً على ورق.
في مرحلة العقم السياسي والمراوحة وفشل النواب في إثبات أهليتهم يكون المخرج بالدعوة إلى صيغ الهدف منها تقطيع الوقت الى أن تتوضح الرؤية المؤثرة في انتخاب رئيس جمهورية لبنان. ولكن هذا لا يعني أنّ أي حوار يشكل عاملاً مساعداً على تهدئة الأجواء وسحب فتيل التوتر على أبواب الأعياد ليس إلا