بينما شارفت أعمال التسجيل على نهايتها في المدارس الخاصة، أعلن رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، خلال جلسة مجلس الوزراء أول من أمس، أنه طلب، هاتفياً، من وزير التربية عباس الحلبي، الذي غاب عن الجلسة بداعي السفر، الاستجابة لصرخات الأهالي والتشدّد حيال تفلّت الإدارات في تحديد الأقساط، وإلزامها بأخذ الواقع الاقتصادي في الحسبان لدى فرض أي زيادة عليها!
هل هي «صحوة» متأخرة ستقترن بحل لضبط أقساط تضاعفت 4 و5 مرات عن العام الدراسي الماضي، وكيف سيكون شكل تدخل وزارة التربية، هل تجرؤ على الاقتراب من «المحظور» أي التدقيق في فواتير المدارس للتأكد من موازناتها وصحة أرقامها، أم أنه سيبقى كلاماً في الهواء لا يصرف في مكان، تماماً كما التعاميم الصادرة في نهاية العام الدراسي الماضي والتي قالت الوزارة إنها ستتابع تنفيذها في إطار تطبيق أحكام القانون 515 (تنظيم الموازنة المدرسية) وستعاقب المخالفين؟
حتى الآن، لم تعثر الوزارة على أي مخالف، فيما مدارس كثيرة تزيد أقساطها، بالجرم المشهود، وبلا أي رادع قانوني أو أخلاقي. لم تعد هناك أي قاعدة في تحديد القسط المدرسي، وثمة مروحة واسعة من الأرقام غير المدروسة وغير المنطقية. ومن المفارقات التي ينقلها ممثلو مدارس خاصة عن وزير التربية قوله إن الوزارة لا تتلقى شكاوى من أهالي تلامذة في مدارس أقساطها مرتفعة (5000 دولار وأكثر)، بل من مدارس أقساطها متوسطة (بين 500 دولار و1500 دولار). والتفسير هنا بسيط وهو أن الفئة الأولى من المدارس لا يرتادها ذوو الدخل المحدود الذين باتت الأقساط تكويهم حرفياً.
كيف لموظف في القطاع العام مثلاً أن يتحمل أن يرتفع قسط ابنه أو ابنته من 500 دولار إلى 1800 دولار ومن 16 مليون ليرة إلى 28 مليوناً، فيما راتبه لا يتجاوز كمعدل وسطي 200 دولار شهرياً. وماذا يفعل موظف حين تبلغه مدرسة أولاده بأنها رفعت قسطها لهذا العام من 1800 دولار إلى 4000 دولار ومن 27 مليون ليرة إلى 90 مليوناً. «الرقم خيالي»، يقول أحدهم مشيراً إلى أن إدارات بعض المدارس لم تعد تحافظ على مقاعد تلامذتها القدامى، ولا تتردد في الاستغناء عنهم أو وضعهم على لائحة الانتظار بالحد الأقصى، لمصلحة تلامذة جدد متمولين ويدفعون بالدولار الأميركي.
يحاول اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة الذي يضم مدارس تتبع لجمعيات دينية وأحزاب، أن يميز نفسه عن مدارس أخرى يسميها «تجارية ولا تحمل رسالة تربوية»، إذ إن «الدعم بالدولار الأميركي في مدارس الاتحاد ليس عشوائياً كما الآخرين، فهناك مدارس لا تتجاوز فيها المساهمة بالدولار الـ 500 دولار». يقول ممثلون عن بعض هذه المدارس إن أعمال التسجيل أظهرت إقبالاً غير مسبوق، ويتوقع أن تزيد النسبة عن 20 في المئة مقارنة بالعام الدراسي الماضي. الأمين العام للمدارس الإنجيلية نبيل القسطا يشير إلى أن قسماً كبيراً من تلامذة التعليم الرسمي التحقوا هذا العام بالمدارس الإنجيلية، وهذا «مؤشر مخيف لغياب السياسة التربوية، لأنه إذا لم تكن هناك مدرسة رسمية قوية لن تكون هناك منافسة صحية مع المدرسة الخاصة». بدا لافتاً ما قاله لجهة تعديل القوانين ودفع رواتب الأساتذة بالدولار وتسديد المدارس لاشتراكاتها في صندوق التعويضات بالدولار أيضاً وليس وفق سعر صرف 1500 ليرة مقابل الدولار، كي يحصلوا على تعويض بالدولار أيضاً.
وفيما يعتقد القسطا أن الوزارة لا تستطيع أن تفعل أكثر مما تفعله على قاعدة «العين بصيرة واليد قصيرة»، يقترح الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، يوسف نصر، ما يظنه حلاً عملياً، وهو أن تبادر الدولة إلى إعطاء معلمي المدارس الخاصة حوافز بالدولار الأميركي ومن ثم تحدد هي سقف القسط، باعتبار أن صندوق الدعم بالدولار مخصص بشكل أساسي لدفع حوافز المعلمين، معلناً عن استعداد المدارس لإبداء الشفافية وفتح كل أوراقها. ويقول إن المسؤولية تقع على لجنة الأهل في عدم مواجهة الأقساط المرتفعة في بعض المدارس، ليست هناك فكرة واضحة حتى الآن، كما يقول، بالنسبة إلى النزوح من المدارس الرسمية إلى المدارس الخاصة وبالعكس، لكون الوزارة حددت 14 أيلول موعداً لبدء أعمال التسجيل في المدارس الرسمية.
لا بديل، بحسب رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة لمى الطويل، عن إصدار مرسوم سريع بإلزام المدارس الخاصة بالتدقيق المالي وقطع الحساب، وهناك مشروع مرسوم جاهز لدى الاتحاد بشأن وضع معايير لضبط الأقساط وتعيين خبير محلف للتدقيق في الموازنات. وتقول: «أنصح اتحادات المدارس الخاصة باللجوء إلى الشفافية والموافقة على التدقيق المالي ونشر موازناتها على صفحاتها الإلكترونية لتعزيز الثقة بينها وبين الأهل».