أقرّت لجنة حقوق الإنسان النيابية، أخيراً، اقتراح قانون يجرّم عقد زيجات لمن هم دون الـ 18 عاماً، بعد سلسلة جلسات نقاش «عقيم» لم تتوصّل إلى صيغة ترضي كل الأطراف، خلافاً لما أشيع عن «ليونة في موقف الثنائي الشيعي تبشّر بولادة القانون».
بعد سنوات من مناقشة اقتراحات قوانين للحدّ من زواج القاصرات، بعضها علّق في اللجان النيابية من دون أن يصل إلى الهيئة العامة لمجلس النواب، أقرّت لجنة حقوق الإنسان النيابية، في 7 أيلول الجاري، اقتراح قانون «حماية الأطفال من التزويج المبكر» الذي قدّمه النائبان جورج عقيص وأنطوان حبشي، والذي يجرّم عقد زيجات لمن هم دون الـ 18 عاماً على الأراضي اللبنانية.
خرج اقتراح القانون خالياً من أيّ استثناءات قد تكتب له قدراً مغايراً لاقتراحات قوانين سبقته، و«منفراً بالنظر إلى الاختلافات الثقافية داخل المجلس»، بحسب منسّقة حملة «حماية القاصرات من التزويج المبكر» في «الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة» غنوة شندر. فلدى مناقشته في لجنة حقوق الإنسان، تباينت الآراء بين من دعا إلى إرفاقه باستثناءات تراعي خصوصية المجتمع اللبناني، ومن طالب بأن «نعلّي السقف، ثم نفاوض بالاستثناءات عندما يُعرض على لجنتَي الإدارة والعدل والمرأة والطفل النيابية».
ينقل ممثل الهيئة في جلسات اللجان النيابية المحامي أمين بشير جواً إيجابياً حيال مسألة زواج القاصرات لم يلحظه في المجلس النيابي السابق. برأيه، كان أداء الأخير «مخزياً في معالجة القضية لجهة الخجل في مقاربة الموضوع أو مزاجية المرجعيات الدينية التي تحكم خطاب بعض الكتل». أما المجلس الحالي فهو، «أكثر انفتاحاً وتقبّلاً للنقاش، من خلال وجود اندفاع مسيحي أكبر، وموقف قوى التغيير الذي أعطى زخماً للطرح، حتى الثنائي الشيعي الذي رفض النقاش في وقت سابق وغادر نوابه الجلسة عندما عُرض موضوع زواج القاصرات إلى جانب النائب عدنان طرابلسي، صار الموضوع بيقطع معهن، إذ حضر النائب قاسم هاشم الجلسة الأخيرة وكان مبتسماً، وحتى طرابلسي بقي جالساً ومستمعاً طوال وقت الجلسة». ويعزو بشير هذا «التبدّل» في موقف الثنائي إلى «الجلسات التي عُقدت في الكواليس بين رجال الدين والمدافعين عن قضية منع زواج القاصرات من منظمات غير حكومية وجمعيات حقوقية».
لكن، يبقى موقف الكتل النيابية محطّ «التباس» بالنسبة إلى أنصار القضية. والعين على موقف حزب الله الذي تغيّب نائبه العضو في لجنة حقوق الإنسان حسن عز الدين عن الجلسة الأخيرة، ما فسّره البعض «عدم رضى»، علماً أن عز الدين كان خارج البلاد. وعندما عاد «فوجئت باقتراح القانون، فاتصلتُ برئيس اللجنة النائب ميشال موسى الذي أخبرني أنّ الإقرار حصل بعدما اكتمل النصاب، وطمأنني أنه ستُعاد مناقشة الاقتراح في لجنتَي الإدارة والعدل والمرأة والطفل، وعليك خير قبل أن يصل إلى الهيئة العامة للمجلس».
وعليه، يبدو أنّ موسى أقرّ اقتراح القانون «رفع عتب»، بعدما أُحرج من تأخّر البتّ في الأمر. وهو يقول عنه إنه «مجرّد اقتراح قانون وصَلنا وأعطينا رأينا فيه على مدار 4 أو 5 جلسات بناءً على الاتفاقيات الدولية التي صادق لبنان عليها وحدّد سن الطفولة والبلوغ. وقد يكون للّجان الأخرى رأي مغاير حوله، علاوة على أنه كم من اقتراحات قوانين أُقرّت في اللجان ولا تزال عالقة في الهيئة العامة لمجلس النواب؟»، فهل يلمّح موسى إلى مصير اقتراح قانون تجريم زواج الأطفال؟
بعيداً من تأويلات البعض، يتحدّث عز الدين عن موقف الكتلة الرافض لاقتراح قانون يمنع تزويج من هم دون الـ 18 عاماً ويملكون المؤهلات للزواج، وإنما «يحفّز على الزواج المبكر للحفاظ على عفّة المجتمع». ويقول لـ«الأخبار»: «النظام في لبنان طائفي، وتنصّ المادة التاسعة من دستوره على ربط الأحوال الشخصية بالطوائف، كما يتعلق الزواج بالمنظومة الثقافية وليس بالنظام العام، لذلك لا علاقة لأهلية الزواج بالأهلية القانونية، وإنّما بسنّ البلوغ». ويردّ على «أنصار حقوق الإنسان» مستشهداً بالمادة 16 من «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» التي تنصّ على أنّ: «للرجل والمرأة، متى أدركا سنَّ البلوغ، حقُ التزوُّج وتأسيس أسرة».
يتوقّف عزّ الدين كثيراً عند سن الطفولة، ويرى «سنّ 18 استنساخاً لثقافة الغرب»، متسائلاً: «من قال إنّ ابنة الـ 17 عاماً طفلة؟ ومن قال إنّ الزواج في هذه السنّ تترتب عليه نتائج سلبية؟». وإذ يبدي انفتاحاً للنقاش حول تحديد سنّ الطفولة، إلا أنه ضد منع تزويج من هم دون 18 عاماً والسماح لمن هم بين الـ 16 والـ 18 عاماً بالزواج كحالات استثنائية، «لأنها طريقة لتمرير سنّ 18 كون الاستثناء يتطلب مراجعة القضاء والاستئناف عندما يرفض القاضي المنفرد التزويج، ما يؤدي إلى انقضاء السنتين عبر المماطلة». ويؤكد أنه «عبّرنا صراحة عن موقفنا في الجلسات من دون أن نغادر أيّاً منها، لكن يبدو أنه عندما قلنا إننا نادراً ما نشهد زيجات سنّ مبكرة أُسيء فهمنا».
من جهته، يؤكد هاشم «أننا منفتحون على النقاش ضمن ضوابط دينية وطائفية واجتماعية وسياسية. لا نرفض رفضاً مطلقاً ولا نقبل قبولاً عشوائياً. الأول، من منطلق الحفاظ على حقوق الإنسان وحماية الأطفال والحاجة إلى تطوير القوانين بما يتناسب مع متطلبات العصر، والثاني من منطلق خصوصية المجتمع اللبناني وعدم الانجرار وراء شعارات غربية تتنافى مع ثقافتنا ومفاهيمنا». وخلافاً لموقف «حزب الله»، يتحدث هاشم عن «استثناءات لتزويج من هم بين الـ 15 والـ 18 عاما، مثلاً، إن كانوا ذوي وعي وإدراك ونضوج».