كتب الاعلامي خليل مرداس
يعد وليد جنبلاط واحدًا من أبرز الأسماء السياسية في لبنان، ليس فقط لما يمثله من زعامة تقليدية بين الدروز، ولكن أيضًا لما يتمتع به من حنكة وحكمة سياسية استثنائية عبر مسيرته الطويلة. منذ توليه القيادة بعد اغتيال والده كمال جنبلاط في أواخر السبعينات، أثبت وليد بيك جنبلاط قدرته على قراءة المشهد السياسي بمهارة، واتخاذ مواقف تتسم بالجرأة والرؤية العميقة.
في كل منعطف تاريخي واجهته البلاد، كان وليد جنبلاط حاضرًا، ينأى بنفسه عن التحزب الضيق ويعلي المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. ففي الوقت الذي يشهد فيه لبنان اضطرابات داخلية وتحديات خارجية مستمرة، برز موقفه الأخير بدعمه الصريح لخط المقاومة في مواجهة العدو الإسرائيلي، موقف جاء ليؤكد على جذوره العروبية ومبادئه الثابتة، وليضع جانبا أي خلافات سياسية داخلية لصالح الدفاع عن كرامة الوطن وأهله.
تاريخ وليد جنبلاط حافل بالمواقف الوطنية التي تصدرت المشهد في أوقات الأزمات. كان دائمًا رمزًا للمرونة السياسية، مستوعبًا تقلبات السياسة الداخلية والإقليمية، دون أن يتخلى عن قناعاته العميقة بالمبادئ العروبية. مواقفه المؤيدة لحقوق الفلسطينيين، ومعارضته للهيمنة الأجنبية، والدعوة المستمرة للحوار الداخلي تؤكد أنه رجل دولة من الطراز الأول.
ولعل موقفه الأخير بفتح الأبواب لاستقبال النازحين من الجنوب اللبناني بعد العدوان الإسرائيلي يعكس تجسيدًا حقيقيًا للإنسانية والتضامن. لم يكن استقبال النازحين مجرد فعل عابر، بل تعبيرًا عن دور الزعامة في مد جسور المساعدة والاحتواء في أصعب اللحظات. فكما كان والده كمال جنبلاط رمزًا للنضال الوطني والإنساني، يسير وليد جنبلاط على ذات الدرب، مرسخًا الإرث العائلي في خدمة المجتمع والوطن.
في نهاية المطاف، يبقى وليد جنبلاط رمزًا للزعامة السياسية التي تتجاوز حدود الطائفة والمصالح الشخصية لتصب في خدمة الوطن والمواطن. مواقفه الأخيرة تُعيد التأكيد على أنه رجل دولة يفهم أن التحديات الكبرى تتطلب وحدة الصفوف وتقديم المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. وفي زمنٍ تشتد فيه المحن، يبقى جنبلاط نموذجًا للقائد الذي لا يتوانى عن القيام بدوره الإنساني والوطني، مؤكدًا أن لبنان، رغم أزماته، سيبقى قويًا بفضل حكماءه وزعماءه الذين لا يتخلون عن شعبهم في أصعب الظروف.