“خواطر في المخاطر” بقلم زياد بارود

خاص المدى

ثمّة مقولة شهيرة مفادها أن “التاريخ يعيد نفسه”. ربّما… وقد أردف أحدهم مضيفاً: “عند الشعوب الغبيّة فقط”! قاسيةٌ هي هذه الإضافة، وبقساوةِ تاريخٍ لا يرحم وجغرافيا يَكتبُ حدودَها غالبٌ على مغلوب أو مُنتدِبٌ على مُنتَدَب، على شكلِ السيّدين (المغفور لهما؟) سايكس وبيكو، يوم كانت هذه المنطقة من العالم تعيش سقوط سلطنةِ بني عُثمان وحلول الإفرنج مكانها بتكليفٍ من عصبةٍ كانت للأمم الأخرى ما وراء بحارنا. كان ذلك قبل النكبة وقبل النكسة وقبل نكباتٍ أخرى ونكساتٍ لا تُحصى…

منذ سايكس-بيكو وقبل الاتفاق-المَسطرة وبعده، ونحن نعيش لعنةَ الجغرافيا ولعنةَ كتابةِ تاريخٍ بالدمِ والقهرِ والنار. جغرافيا تحاول إخراجنا من التاريخ الذي، إن أعاد نفسه، أدخلنا في دوّامةٍ لا تنتهي، محوَرُها أسئلة وجودية: إلى أين يتّجه عالمنا؟ وأين لبناننا من تبدّل أحوال الأمم، وما خياراتنا في الزمن الآتي؟ أسئلةٌ بحجم الأجوبة المحجوبة وراء دخان الغارات وأنين الركام ومَن تحته وفي شبهِ غيابِ المبادرة وحُسنِ التدبير.
أخطرُ ما نحنُ فيه هو سقوطنا في امتحان مدرسةِ التاريخ عينه! مخاطرُنا، التي نكتبُها بالدم، نكتبها أيضا نتيجة عدم استخلاص الدروس من تلك المدرسة، كذلك التلميذ غير الشاطر الذي يحضر ولا يسمع وتسهى عنه ضرورات التعلّم. ضعفُ ذاكرةٍ هو؟ أم تعمُّد النسيان؟ أم أننا أمواتٌ نرتعش أمام عاصفة الحياة ولم نجد من يدفننا، على ما قاله يوما ًجبران (خليل)؟! ماذا تعلّمنا منذ 1948؟ أية دروس لوطنٍ كان استقلاله يومها طفلاً من خمسِ ربيعٍ؟ بماذا أتت علينا نكسة 1967 سوى باتفاق القاهرة عام 1969؟ ومذّاك؟ ماذا تعلّمنا بنتيجة الفُرقة الحمقاء تكسر وحدتنا؟ وماذا فعلنا إزاء التجزئة وإزاء إضعاف الدولة الحامية؟ لماذا نكرّر لبناناتنا غير المتحدة كل حين ونُسقط كلّ يوم مشتركاتنا لصالح الجزئيات؟ المشكلة اليوم في الامتحان الأخير أن السقوط لن تتبعه إعادة “صف” ولا علامات شافعة. المشكلة أن الخطورة التي نعبرُ راهناً هي على درجة عالية من التوتّر التي تستوجب درجة عالية من المسؤولية وبالتالي قراراً متماسكاً، قوياً، مدركاً للحظةٍ تاريخية، تسقط معه الأنانيات والحسابات الضيقة. وبعد أن تضع الحرب (علينا جميعاً) أوزارَها، تعالوا نختلف ما شئتم، في السياسة والانتخابات والاقتصاد والخيارات، بل في النظام أيضاً!

هل نكرّر تجربة القسطنطينية يوم سقطت؟ هناك، كان نقاشٌ حول جنسِ الملائكة في الوقت التي كانت جدرانها تُدكّ… ربّما كان من محاسنِ حالنا أن لا ملائكةَ ولا جنسَ منهم عندنا، بل شيطنة واحدنا للآخر. لكنّ جدراننا تُدكّ ونحن في نقاشٍ عقيم أو سُباتٍ عميق أو انتظارِ “غودو”. سقوط الوطن-الفكرة والوطن-الرسالة ليس قدرا! إنه قرار. نعم، قرار بالامتناع عن إنقاذه و”الساكتُ عن الحق، شيطانٌ أخرس”…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى