يمكن القولُ إن الأيامَ التي كنا نستوحي فيها منأسابيعِ الموضة، والمعارضِ الدوليَّة اتِّجاهات الموسمِ المقبل، ولَّت فوتيرةُ تصنيعِ الملابسِ في ازديادٍ، وخياراتُ المستهلكِ باتت مزاجيَّةً، تتبدَّل، وتتغيَّر مثل عقاربِ الساعة، لذا صار من الضروري معرفةُ مَن يُحدِّد اتِّجاهات الموضة في العقدِ الثاني من الألفيَّة الجديدة، هل هو المصمِّم، المستهلك، المؤثِّر، أم أرقامُ المبيعات؟ استفهاماتٌ كثيرةٌ، تفترضُ إيجادَ جوابٍ شافٍ، نستعرضها في هذا التحقيق.
في الستينياتِ تطوَّرت عروضُ الموضةِ الجاهزة، لتصبحَ استعراضاً حقيقياً على المنصَّات، وجمعت المشترين، والنقَّاد في مجالِ الموضة لتدوين الاتِّجاهات التي كانوا يراقبونها للعامِ المقبل على خشبةِ العروضِ ضمن أسابيعِ الموضةِ العالميَّة. كان هؤلاء النقَّاد والخبراء، يُطلقون هذه الاتِّجاهات على شكلِ تقاريرَ، تُنشَر للعامَّة في المجلَّات والصحف، وكانت المتاجرُ الكبرى للأزياء، تبني واجهاتها، وتختارُ تصاميمها المعروضةَ للبيع بناءً على هذه التقاريرِ المستوحاةِ من عروضِ الأزياء العالميَّة المنظَّمةِ في عواصمِ الموضةِ الأربع التي كانت وما زالت تعدُّ أعمدةَ الموضة واتِّجاهاتها. تلك التقاريرُ التي سرعان ما كان محرِّرو الموضة يتلقَّفونها، كانت تُنشَر في مجلَّاتهم، وصحفهم حتى تصبح في متناولِ الناس، والمستهلكين بشكلٍ خاصٍّ. واليوم، تسارعت وتيرة التنبُّؤ بالاتِّجاهات Trend Forecasting مقارنةً بالسابق بسببِ هيمنةِ التكنولوجيا في عالمِ الموضة، بدءاً بمنصَّاتِ التواصلِ الاجتماعي، وليس انتهاءً بالعروضِ الرقميَّة التي أدَّت إلى مشهدٍ أكثر ديمقراطيَّةً لصناعةِ الموضة، الأمرُ الذي أدَّى إلى تحوُّلٍ في اتِّجاهات الموضة، وانعكاسِ ذلك على المجتمعِ الذي نعيشُ فيه. لم يعد المصمِّمون يمسكون بزمامِ الاتِّجاهات، وإنما انتقل الدورُ إلى المؤثِّرين في إنستجرام، والمدوِّناتِ اللاتي يمتلكن ملايين المتابعين الأوفياء، كما صار النجومُ في عِدادِ المؤثِّرين على الساحة، وأصبحت وظيفةُ Trend Forecasting أهمَّ، وأكثر فاعليَّةً من السابق، ويجب على ممتهنيها التحلِّي بالعنصرِ الإبداعي في مقاربةِ موضوعِ الموضة مع إظهار ردَّاتِ فعلٍ سريعةٍ للخروج بأفكارٍ، ومحتوى، يصبُّ ضمن الأفكارِ المطروحة. إن وظيفةَ Forecasting Trend تتلخَّص في عالمِ الموضة بمهارةِ الشخص، وقدرته على التنبُّؤ بصيحاتِ الألوانِ، والأقمشةِ، والقصَّاتِ، والطبعاتِ التي تجسِّد روحَ الأزياءِ التي يُخطَّط لطرحها في المواسمِ المقبلة.
معايير نجاح أو فشل صيحات الموضة
لا تزال منصَّاتُ العروض، وأرقامُ المبيعاتِ تتحكَّم بتقييمِ مجموعاتِ التصميم التي تُطلقها الدورُ العالميَّة، لكنْ ثمَّة أساليبُ جديدةٌ، وتقنياتٌ مختلفةٌ، وصيحاتٌ مبتكرةٌ، تنبتُ كلَّ يومٍ، وتتصاعدُ وتيرتها بفعلِ تزايد شعبيَّة منصَّاتٍ، منها تيك توك، وإنستجرام، إذ إنها مسؤولةٌ عن الترويجِ للموضةِ السريعة التي لا تدوم صيحتها أكثر من أسبوعَين في بعض الأحيان! وفي مقابلِ ذلك، يستمرُّ المصمِّمون في الاستلهامِ من تصاميمَ قديمةٍ، ومجموعاتٍ مستنبطةٍ من الأرشيف، لكنَّ السؤالَ الذي يطرح نفسه هنا: كيف تُبصِر صيحاتُ الموضةِ النور؟ بشكلٍ عامٍّ، يتمُّ التحضيرُ لإطلاقِ الصيحاتِ قبل عامَين من بروزها، تحسُّباً لأي مفاهيمَ مغلوطةٍ حول سلوكِ، واهتماماتِ، ورغباتِ المستهلك، لكنَّ الواقعَ على الأرضِ قد تقابله أحداثٌ طارئةٌ في الموضة، تطيلُ عمرَ صيحةٍ ما، أو تجعلها تخبو في مهدها، تماماً كما حصل وقتَ انتشارِ جائحة كورونا، إذ تمَّ التنبُّؤ بصيحاتٍ، وسبلٍ لترويجها بناءً على منصَّات التواصلِ الاجتماعي، وناقضَ ذلك الواقعَ في المجتمع الذي بدأ يخرجُ من عزلته. مع ذلك، لا يمكننا إنكارُ أن تلك الفترة، أفادت الدورَ العالميَّة التي تلقَّت دراساتٍ كافيةً للخروجِ بصيحاتٍ سرعان ما لاقت رواجاً فترةً طويلةً، وأثمرت عن أرباحٍ هائلةٍ مثل صيحةِ اللاونج وير التي سرعان ما تلقَّفتها مؤثِّراتٌ، منهن كيم كارداشيانحيث أطلقت ماركتها SKIM، وأحدثت ضجَّةً كبيرةً. وعامَ 2018، وخلال التحضيرِ لإطلاق حذاءِ Chunky Sneakers الرياضي، استعانت الدورُ العالميَّة، والباعةُ بخدماتِ شركاتِ تسويقٍ إلكترونيَّةٍ لإجراءِ دراساتٍ جديَّةٍ حول نوعِ التصاميمِ، والألوانِ، والقصَّاتِ المرغوبةِ من المستهلك في حذاءٍ رياضي، يواكب العصر. وتوسَّعت الدراساتُ لتشملَ ماركاتٍ رياضيَّةً منافسةً، ومدى شعبيَّة تصاميمها، وأرقامِ المبيعات لكلِّ منتجٍ، فأتت النتيجةُ مُرضيةً، الأمرُ الذي يكشف أهميَّة منصَّاتِ التواصلِ الاستراتيجيَّة.
نظرة نحو المستقبل
تشكِّل أسابيعُ الموضةِ العالميَّة فرصةً للتنبُّؤ بالصيحاتِ، وتجسِّد تياراً متدفَّق المصادرِ من منصَّاتِ العروض، ونبضِ الـ»ستريت ستايل«. لكنّ الماركات العالميَّة، كانت تعاني من صعوبةٍ في توقُّع نجاحِ صيحةٍ ما على المنصَّة، لذا كانت تلجأ إلى أصحابِ الخبرةِ للوقوف على آرائهم، منهم لي إديلكورت Li Edelkort، وهي مَن أهمِّ الخبراءِ في توقُّع صيحاتِ الموضة بالعالم، وتعطي ورشاً تدريبيَّةً في صيحاتِ الموضة، ومستقبلِ الماركاتِ، وقد أعلنت مراراً وفاةَ الموضةِ التقليديَّة، واستبدالها بمفهومِ صناعةِ الملابس، مبيِّنةً أن مصدرَ صيحاتِ الموضة، ينبثق من عالمِ الخياطةِ الراقية الغني بالتفاصيلِ الذي يُشكِّل مصدرَ إلهامٍ لصيحاتِ المواسم المقبلة. وبالنسبة إليها تكمن المشكلةُ في تعليبِ أفكارِ المصمِّمين الجدد خلال الأعوامِ الدراسيَّة، إذ تُعلِّمهم معاهدُ الموضة أن يصبحوا مصمِّمي عروضٍ لا مُطلقي صيحاتٍ، في حين أن المجتمعَ الحديثَ مبني على التبادلِ في الأفكارِ والثقافات، وعلى روحِ الفريق.
كيف نقرأ مستقبل الموضة بلغة العصر؟
إن وجودُ المنصَّاتِ الرقميَّة الرسميَّة لوزاراتِ الدولِ المعنيَّة، تعدُّ مرجعيَّةً لاستقاءِ المعلومات، وتسهيلِ عمليَّة توقُّع الصيحات، ومن هنا تأتي أهميَّة المنصَّة السعوديَّة لبياناتِ قطاعِ الأزياء التي تُؤمِّن تقاريرَ حول حالةِ القطاع في البلاد، وتحلِّل علمياً “الداتا” المتوفرة، ما يساعد في بناء الأسس التي يمكن لقطاعِ الأزياءِ الاستنادُ إليها، بناءً على كلامِ بوراك شكماك، الرئيس التنفيذي لهيئةِ الأزياء السعوديَّة. ويفيد تقرير حالة قطاع الأزياء لعام 2024 بتبنيّ العلامات التجارية العالمية الفاخرة الثقافة السعودية بشكل متزايد، حيث تطلق مجموعات حصرية لشهر رمضان وعيد الفطر. تساهم هذه المجموعات بما يصل إلى 15% من الإيرادات السنوية. تشهد هذه المواسم مجموعات مخصصة تتوافق مع أذواق وتقاليد المستهلكين السعوديين من تصميم علامات تجارية مثل برادا ولويس فيتون وديور وغوتشي. ومع نضوج قطاع الأزياء المحلي، تستغل بعض العلامات التجارية لحظات رئيسية أخرى في تقويم الأزياء لتبرز على الساحة.في حين تسعى الفعاليات الحصرية والخدمات الشخصية إلى تلبية المعايير الغربية لجذب فئة المستهلكين القادرين على شراء السلع الفاخرة، فإن التحدي الرئيسي للعلامات التجارية الفاخرة وغير الفاخرة هو جذب المستهلكين الشباب الذين يشكلون الفئة الاستهلاكية المهيمنة. لتحقيق هذه الغاية، تتعاون العلامات التجارية مع المبدعين والمؤثرين المحليين وتحرص على المزج بين الأزياء العالمية والتراث السعودي.
تابعي المزيد عن: المصممون السعوديون إلى العالمية بدعم من «هيئة الأزياء»
دور شركاتُ التسويقِ الإلكتروني
تؤمن شركاتُ التسويقِ أن التنبُّؤ بالصيحات، يعودُ إلى السوشال ميديا، لأن المستهلكَ العصري، بات الحكمَ الذي يقرِّر أي الصيحاتِ التي ستدوم، وأيها ستنطفئ. إن مَن يراقبُ المبيعاتِ وأرقامها، يدرك أن وتيرةَ المبيعاتِ في ازديادٍ، وترتفع بناءً على هويَّة مَن يتبنَّاها، ففي صورةٍ، نُشرت على إنستجرام عامَ 2020، ظهرت النجمةُ كاتي هولمز، ترتدي كارديجان منسدلَ الأكتاف، وتستقلُّ سيارةَ أجرةٍ تاكسي في أحدِ شوارعِ نيويورك، وقد راجت الصورةُ، وارتفعت مبيعاتُ الكارديجان ذي القصَّة المنسدلة، وأصبح قطعةَ الموسمِ الأكثر رواجاً. هذا يعني أن الطريقةَ التي تتبنَّاها الماركاتُ العالميَّة في التواصلِ، ونشرِ محتواها على السوشال ميديا، تسهمُ في إنجاحِ صيحةٍ ما، أو تؤدي إلى فشلها، وهذا الاحتكاكُ الذي تؤمِّنه منصاتُ التواصل، يسهم في تبنِّي صيحاتٍ، أو إبعادِ أخرى.
بصورةٍ عامَّةٍ، تُنشَر في منصَّة إنستجرام أكثر من 100 مليون بوستٍ، و400 مليون «ستوري»، وتندرجُ ضمن المحتوى الرقمي المتوفِّر بشكلٍ يومي، بما في ذلك منشوراتٌ لأشخاصٍ، يظهرون بحقيبةٍ، أو حذاءٍ معيَّنٍ، ويسهمون بطريقةٍ غير مباشرةٍ في الترويجِ لماركةٍ محدَّدةٍ. ومن الماركاتِ العالميَّة، تعدُّ دارُ شانيل الأكثر تأثيراً في المتابعين عبر السوشال ميديا، وتمتلك أكبر نسبةٍ من المتابعين مقارنةً مع غيرها. وتُظهِر الدراساتُ، أن الماركاتِ التي تأسَّست إلكترونياً، هي صاحبةُ الشهرةِ الأوفر حظاً، وهي الأكثر رواجاً بغضِّ النظرِ عن انتفاءِ حضورٍ حسِّي، يتمثَّل في متجرٍ تقليدي لها. واليوم، لم تعد إنستجرام المنصَّةَ الوحيدةَ للترويج، فهناك منصَّاتٌ أخرى مثل تيك توك، ويوتيوب، كما برزت الفئاتُ الشبابيَّة، منها ما يسمَّى Millenials، وGen z، وباتت مؤثِّرةً ومتأثِّرةً، وتغيَّر مشهدُ الموضة الذي انتقلَ من عالمٍ محصورٍ بنخبةٍ إلى عالمٍ ذي اتِّجاهاتٍ حسبَ الطلبِ، والحاجةِ، والرغبةِ الشخصيَّة. وتحتاج الماركاتُ العالميَّة إلى الأدواتِ الصحيحةِ لاستغلال البياناتِ التي يوفِّرها العالمُ الرقمي بأفضلِ صورةٍ. وقد يبدو الحلُّ لبعضهم باللجوءِ إلى الذكاءِ الاصطناعي للتنبُّؤ بقراراتٍ صائبةٍ في عالمِ الموضة، فهل يخدمُ الذكاءُ الصناعي في مجالِ التنبُّؤ بنجاحٍ صيحةٍ ما أم لا؟
العلاقة بين الصيحات والذكاء الصناعي
إن العولمةَ التي يشهدها عالمُ الموضة، وتدويلُ ماركاتٍ ومتاجرَ للأزياء، منها على سبيلِ المثال زارا التي تمتلك نحو 2000 متجرٍ، تتوزَّع في أنحاءِ العالم، يدعو إلى تقسيمِ المستهلكين لتسهيلِ تلبيةِ رغباتهم، وتبسيطِ عمليَّة التنبُّؤ بصيحاتٍ، تلبي حاجاتِ هذا السوقِ عن غيره، لكنْ عمليَّةُ تجزئةِ المستهلكين والأسواق شائكةٌ، وتفترضُ الاستعانةَ بالذكاءِ الاصطناعي لتحليلِ المحتوى الرقمي للدورِ العالميَّة، والمواقعِ المنافسةِ لها، بما فيها قياسُ نسبةِ التفاعلِ مع المنشوراتِ والصور، وتحليلُ الخوارزميَّات Algorithms. ويتمُّ الحصولُ على الأجوبةِ الشافية للتنبُّؤ بصيحاتٍ مقبلةٍ عبر اتِّباع الخطواتِ التالية:
مراقبةُ حساباتٍ، تهتمُّ بالموضة، وتنشطُ في مجالِ المحتوى بشكلٍ يومي.
تقسيمُ المستهلك الرقمي إلى ثلاثةِ أنواعٍ، هي: المتابعُ الذي يتطلَّع إلى موضةٍ آمنةٍ، لا تخرجُ عن المألوف Mainstream. والمتابعُ الذي يتطلَّع عبر السوشال ميديا إلى تبنِّي كلِّ جديدٍ على صعيدِ الموضة Trendy. والمتابعُ الذي يذهب إلى المبالغةِ في اعتمادِ صيحاتٍ، أو المغالاةِ فيها Edgy.
تحليلُ محتوى الداتا، وإدراجها ضمن خاناتٍ عدة، هي: اللونُ، الخامةُ، الشكلُ، الطبعاتُ، القماشُ، والمحور.
الخروج بصيحاتٍ مع تحليلٍ توقُّعي لمدة حياةِ كلٍّ منها حسبَ المناطقِ الجغرافيَّة، والأسواقِ الخاضعة للتحليلِ والدراسة.
من المسؤول عن إطلاق صيحات الموضة في كل موسم؟
لقد حرَّرت مواقعُ التواصلِ الموضةَ من ضغوطِ الاحتكارِ التي تواجهها، وباتت المرجعَ الأوَّلَ لتبيان موقفٍ تقييمي لمجموعةٍ ما، فقبل إنستجرام، وتيك توك، لم تسنح الفرصةُ للدورِ من أجل الوقوفِ بسرعةٍ على آراءِ الناس من المجموعةِ في لحظةِ عرضها. كذلك تتيح شركاتُ التسويقِ الرقميَّة الفرصةَ للاستعانةِ بتكنولوجيا تكديسِ الصور، وتحليلِ الهاشتاقاتِ المستخدمة لتبنِّي سلوكياتٍ معيَّنةٍ في التسويق، واعتمادِ صيحاتٍ، وإبرازها على حسابِ أخرى، لكنْ «البوستاتُ»، والمواقفُ التي تصدر عن مدوِّنات الموضة والمؤثِّرين، ليست مرجعاً موثوقاً به، فالتسويقُ الرقمي، وفق لي إديلكورت «مبني على الجشع، وليس على الرؤيةِ الموضوعيَّة، بالتالي لن تسنح الفرصةُ للماركاتِ الناشئة أن تشتهرَ عن طريقِ شراءِ البوستات والمحتوى». وفي هذا المجالِ قد يكون التعاملُ مع ما يسمَّى بـ «مايكرو إنفلونسرز» الحلَّ بدليلِ أن جمهورَ المدوِّناتِ الصغير، يتأثَّر، ويتفاعلُ أكثر مع محتوى المدوِّنة التي تمتلك رقماً صغيراً من المتابعين مقارنةً مع المدوِّنات اللاتي يمتلكن ملايين المتابعين، فالرقمُ ليس دليلَ أهميَّةٍ، وإنما نسبةُ التفاعلِ والالتزام. كذلك، وجودُ المنصَّاتِ الرقميَّة الرسميَّة لوزاراتِ الدولِ المعنيَّة، تعدُّ مرجعيَّةً لاستقاءِ المعلومات، وتسهيلِ عمليَّة توقُّع الصيحات، ومن هنا تأتي أهميَّة المنصَّة السعوديَّة لبياناتِ قطاعِ الأزياء التي تُؤمِّن تقاريرَ حول حالةِ القطاع في البلاد، وتحلِّل علمياً «الداتا» المتوفرة، ما يساعد في بناء الأسس التي يمكن لقطاعِ الأزياءِ الاستنادُ إليها.يمكنك متابعة الموضوع على التسخة الديجيتال على هذا الرابط
تشغل يمنة أسود منصبها مديرةً للتطويرِ الإداري لدى المصمِّم طوني ورد، وهي محاضرةٌ أكاديميَّةٌ في معهد إسمود Esmod لتصميمِ الأزياء، لذا غالباً ما تسمعُ السؤالَ التالي: ما اتِّجاهاتُ الموضة، وما مصدرها؟ وحول ذلك تقول: «انطلاقاً من خبرتي في مجالِ الموضة وتصميمِ الأزياء غالباً ما يتردَّد على مسمعي: مَن يضع قوانينَ الموضة، وما صيحاتُ الموسم؟ الإجابةُ أعمقُ من ذلك بكثيرٍ فاتِّجاهات الموضة، ليست مجرَّد ألونٍ، وأحجامٍ، تغصُّ بها السوشال ميديا. هناك عواملُ عدة رئيسةٌ، تلعب دوراً استراتيجياً في إرساءِ الصيحات».
إذاً مَن المسؤولون عن إطلاقِ صيحاتِ الموضة؟
يلعب المصمِّمون المبدعون دوراً أساسياً، لكنَّهم ليسوا صنَّاع الاتِّجاهات لوحدهم فهناك الإبداعاتُ التكنولوجيَّة المتطوِّرة، والعواملُ الاجتماعيَّة والثقافيَّة، ولا ننسى تأثيرَ وسائلِ الإعلامِ، وعالمِ الفنِّ، والحِرفيين، ومورِّدي الأقمشة. كلُّ هؤلاء يسهمون معاً في إطلاقِ صيحاتِ الموسم المقبل.
ما الذي اختلف في رأيكِ بين الأمسِ واليوم؟
لقد كان إطلاقُ الصيحاتِ عمليَّةً فوريَّةً، يتبنَّاها المصمِّمون الذين يتلقَّفونها نتيجةَ عملهم، وتعاملهم مع معارضَ للأقمشة، فيُترجمون رؤيتهم على منصَّاتِ العروض، وينقلونها إلى الناسِ والمستهلكين عبر محرِّري مجلَّات الموضة.
هل توقَّفنا اليوم عن هذه الطريقةِ التقليديَّة؟
ما زالت الصلةُ قائمةً، ووطيدةً بين المحرِّرين والمصمِّمين، لكنْ ثمَّة عناصرُ أخرى، دخلت في الحسبان، وباتت تؤثِّر في إطلاقِ صيحاتِ الموضة، إذ أعطت منصَّاتُ السوشال ميديا صوتاً لمَن لا صوتَ له تماماً مثل ترند Very Demure Very Mindful الذي أطلقته تيكتوكر، وراجت بسرعةٍ.
كيف يمكن لحدثٍ أن يولِّد صيحاتٍ في الموضة؟
لقد أسهمت مسلسلاتُ نتفليكس، وافتتاحياتُ أفلامٍ، وألبوماتٌ غنائيَّةٌ في إطلاقِ صيحاتِ الألوان، والقصَّات، والتصاميم، ليتمَّ منها استلهامُ أدواتٍ تسويقيَّةٍ لمجموعاتٍ جديدةٍ. عندما نفكِّر في مسلسلاتٍ فعلت ذلك، سيبرزُ «إيميلي في باريس»، والتعاونُ المثمرُ في فيلمِ «باربي» مع المصمِّمين، وسنستعيدُ أعمالاً، بينها Brat Summer.
ما الدورُ الذي تلعبه المؤثِّراتُ في هذا المجال؟
تلعبُ المؤثِّرات دوراً مهماً سواءً من خلال حضورهن على السجَّادة الحمراء، أو إطلالاتهن الـ «ستريت ستايل» في الترويجِ لتصاميمَ بطريقةٍ أقوى وأعمقَ من عروضِ الأزياء، فإطلالاتُ الحملِ الجريئة على السجَّادة الحمراء لريهانا، باتت مثالاً يحتذى به، وصورُ الـ «سيلفي» في المصعدِ التي أدرجتها النجمةُ كيلي روثرفورد Kelly Rutherford، صارت ترنداً في 2024، وسمةً من سماتِ الموضةِ الصامتة التي ظهرت بوادرها أخيراً، كما أن موسيقى K Pop، التي انطلقت في كوريا الجنوبيَّة، أصبحت صيحةً عالميَّةً، وأثَّرت في صيحاتِ الموضة.
هل هناك داعٍ لأسابيعِ الموضة، والمجهودِ الفني والمادي الذي يُصرف عليها في كلِّ موسمٍ؟
بالنسبةِ إلى المجموعاتِ الجاهزة، ساد عرفٌ منذ الستينيات، يقضي بأن تُطلق الدورُ مجموعاتها قبل ستةِ أشهرٍ من الموسمِ المخصَّص لارتدائها. كانت الدورُ تحتاج إلى وقتٍ للتصنيعِ حينذاك قبل أن تتوفَّر في المتاجرِ للبيع. هذا التقليدُ جعلها تبدو قديمةً ومستهلكةً نظراً للسرعةِ التي تُنتِجُ فيها المتاجرُ التي تروِّج للموضةِ السريعة، إذ تنسخُ التصاميمَ من العروضِ لتقدِّمها بجودةٍ أقل، ووقتٍ قياسي قد يصل إلى أسبوعَين فقط من معاينتها.
بناءً عليه، هل «ماتت» أسابيعُ الموضة؟
يجبُ على أسابيعِ الموضة أن تعيدَ تقييمَ نفسها، وترتيبَ سُلَّم أولوياتها، لكنْ لا أحدَ يمتلك حلاً ناجعاً للجميع فلكلِّ دارٍ استراتيجيَّةٌ مختلفةٌ، قد تبدأ من إطلاقِ مجموعاتِ كبسولة بشكلٍ مستمرٍّ في كلِّ عامٍ، أو تنظيمِ عرضٍ قوي، يرتبط بفكرةٍ، أو حدثٍ عميقٍ، أو التعاونِ مع مؤثِّرةٍ لإنتاج مجموعةٍ محدودةٍ بشرطِ إيجادِ قواسمَ مشتركةٍ، تربط العلامةَ مع محتوى المؤثِّرة.