بين الأرقام والتفاؤل: من الرماد إلى الميلاد ورأس السنة

بعد صيفٍ دامٍ وحربٍ وخريف مدمّر، يطل فصل أعياد شتاء هذا العام ليمثل اختباراً حقيقياً لإرادة اللبنانيين وصلابتهم. ففي مواجهة جراحات الماضي، يرفض اللبنانيون الاستسلام ويراهنون على الأمل في موسم الأعياد كفرصة للنهوض والتمسّك بالحياة من جديد، والبحث عن لحظات فرح ضاعت بين ركام الحروب.

لكن، في الوقت الذي يراهن فيه اللبنانيون على الأمل ويبحثون عن بصيص من الفرح وسط الركام، يواجه القطاع السياحي، الذي يمثل عصب الاقتصاد اللبناني، تحديات أكبر من أي وقت مضى. وبالرغم من التفاؤل الذي يعكسه موسم الأعياد، فإن الأرقام تشير إلى أن الانتعاش المنشود ما زال بعيداً. فحركة الحجوزات السياحية لا تزال خجولة، ما يعكس الواقع المرير لهذا القطاع الذي يئن تحت وطأة الأزمات المتلاحقة. وقال الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية، جان بيروتي، لـ “نداء الوطن”، إنّ الحجوزات لا تزال دون المستوى المطلوب، ما يطرح تساؤلات كبيرة حول قدرة لبنان على استعادة مكانته السياحية في ظل الظروف الراهنة.

لكن بيروتي أوضح قائلاً: “إن قطاع السهر قد يشهد بعض النشاط، خصوصاً مع قدوم عدد كبير من اللبنانيين للاحتفال مع أحبائهم في بيروت. إلا أن الواقع المرير لا يرحم، فحتى الهدنة وتأخير وقف إطلاق النار كان لهما تأثير سلبي عميق على القطاع، ما دفع العديد من المغتربين إلى تعديل خططهم، مفضلين قضاء الأعياد في دول أخرى بعيداً من لبنان، وهذه التغييرات أدت إلى تراجع آمال القطاع السياحي في انتعاش سريع وملحوظ، ما جعله يواجه تحديات غير مسبوقة”.

من جائحة كورونا إلى انفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى الحرب الأخيرة، اعتبر بيروتي “أن كل واحدة من هذه الأزمات كانت بمثابة ضربة قاسية للاقتصاد اللبناني، خصوصاً للقطاع السياحي الذي كان في يوم من الأيام أحد الأعمدة الأساسية لهذا الاقتصاد. وبالرغم من الجهود المستمرة لإعادة إحياء هذا القطاع، لا تزال الأزمات المتتالية تلقي بظلالها الثقيلة عليه، ما يجعل من تعافيه أمراً صعباً للغاية”. وأعرب بيروتي عن “قلقه العميق بشأن مستقبل القطاع السياحي الذي كان ذات يوم أحد أبرز مصادر الدخل الوطني وأحد أبرز عناصر هوية لبنان السياحية، فأصبح يعاني من أزمة خانقة تهدد بقاءه”.

في هذا السياق ، كشف المدير العام للطيران المدني في مطار بيروت فادي الحسن لـ “نداء الوطن”، عن استئناف عدد من شركات الطيران لرحلاتها إلى مطار بيروت، منها 4 شركات قد عادت للعمل، وهي: الملكية الأردنية، العراقية، الخطوط التركية، والشركة الإثيوبية. كما أشار إلى أن شركة الطيران العربية ستستأنف نشاطها قريباً. ورأى أنه على الرغم من هذه العودة، لا تزال حركة الطيران أقل بكثير من السابق.

يشار إلى أنه قبل عودة هذه الشركات، كان المطار يقتصر على رحلات شركة طيران الشرق الأوسط التي كانت تدير حوالى 70 رحلة يومياً. لكن مع عودة الشركات الأربع، ارتفع العدد إلى 80 رحلة يومياً، ولفت الحسن إلى أن هذا التحسّن لا يعكس الصورة الكاملة. وتوقّع “ألا يشهد موسم الأعياد هذا العام الزخم الذي كان عليه في السنوات السابقة، حيث كانت حركة الطيران تتراوح بين 90 إلى 100 رحلة يومياً في فترة الأعياد. وهذا الرقم لن يتحقق هذا العام بسبب غياب بعض الشركات التي لا تزال خارج الخدمة”.

حول حركة المسافرين، أوضح الحسن أن عدد الوافدين إلى مطار بيروت في الوقت الحالي يصل إلى حوالى 8 آلاف شخص يومياً، بينما يغادر المطار نحو 6 آلاف مسافر. وبالرغم من هذه الأرقام، توقع الحسن أن تشهد فترة الأعياد زيادة في ملاءة الطائرات، مع العلم أن العرض لن يتناسب مع الطلب، حيث أن العدد الحالي للطائرات العائدة إلى الخدمة لن يلبي احتياجات الوافدين”. وخلص إلى القول: “هذه الفجوة بين العرض والطلب تعني أن الطائرات ستكون مشغولة بالكامل، ما يجعل من الصعب تلبية احتياجات المسافرين”.

هل سيتمكن لبنان من استعادة مكانته كوجهة سياحية رائدة في المنطقة، أم أن الغيوم الثقيلة ستظل تحجب شمس أعياده؟

 

نداء الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى