كيف لا يرتفع دولار السوق السوداء، طالما أن كل الأجواء السياسية، والتصريحات السياسية (وليس فقط الممارسات السياسية التي تؤخّر العمل على الإصلاحات)، عبّدت له طريق الارتفاع، منذ أواخر الصيف الفائت؟
وكيف لا يرتفع دولار السوق السوداء، طالما أنه ومنذ ما قبل أيلول الفائت، “تُتحفنا” بعض الشخصيات السياسية، وغير السياسية، بتوقّعاتها الانهيارية “الجهنّميّة”، وبوضع المهل التقريبيّة لها؟ وهو ما يعبّر عن مصلحة تامّة لدى البعض ببثّ المزيد من أجواء الانهيار، وبمشاهدته يحصل، لألف سبب وغاية.
لعبة سياسيّة
السياسيّون في لبنان، هم أصحاب “الرّبط والحلّ” في مستقبل دولار السوق السوداء. وما عاد الحديث عن الإصلاحات، ومكافحة الفساد، وضبط الحدود، ووقف التهريب… وغيرها من الأساسيات، أكثر من “معزوفات” جميلة تتكرّر على مسامع الجميع، ويتحدّث عنها الجميع، مع إدراك الجميع بأنه حتى ولو حصلت، فإنها قد لا تسحب السوق السوداء من التداوُل اليومي في البلد، بعدما تحوّلت (تلك السوق) الى مصلحة، وتجارة، والى منفعة من المنافع السياسية المُتبادَلَة بين أكثر من جهة، والى لعبة من ألاعيبها. وهذه اللّعبة السياسية ليست مرتبطة باحترام استحقاقات، ولا بإجراء انتخابات، ولا بتشكيل حكومات، بل بمصالح سياسية، وبمنظومات سياسية مُتكامِلَة، وبفروعها الاقتصادية والمالية…
ومن أراد أن يصل الى اليوم الذي يشاهد فيه الحلقة الأخيرة من لعبة دولار السوق السوداء في لبنان، ما عليه سوى البحث عن الهيكل السياسي الجديد للبلد، وعن اللاعبين الجُدُد فيه.
حلول؟
لفت مصدر مُطَّلِع الى أن “لعبة دولار السوق السوداء تسير في دربها، وهو يرتفع وسط كلام سياسي على ألسنة مختلف الأفرقاء والشخصيات، يزيد المشاكل، ومسبّبات ارتفاعه، إذ لا يقدّم أي لَجْم فعلي، أو أي حركة تمنع المزيد من الانهيار. فكلّ ما نسمعه يُفيد بالرّغبة بأن يتمّ استبدال شخصيّة في هذا المنصب، بأخرى، فقط لا غير”.
وأشار في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أن “الحديث عن الوضع الاقتصادي، وعن الاقتصاد المُنتِج، وعن تطوير الصناعة، لا يتجاوز الكلام، وعرض المشاكل من دون تقديم حلول، في وقت نحن بأمسّ الحاجة فيه الى البَدْء بالحلول سريعاً”.
القطاع الخاص
وحمّل المصدر “مسؤولية انحدار الوضع الاقتصادي والمالي، ودولار السوق السوداء، الى القطاع الخاصّ أيضاً، وليس الى السلطة وممارساتها، وحدها. فحتى أركان القطاع الخاص هذا، لا همّ لديهم سوى المُطالبة بدعم. هم يُظهرون الحاجة الدائمة الى دعم، ومن دون أن يأخذوا في الاعتبار أن كل ما يُطالبون به على هذا الصّعيد لن يُفيدهم، في كلّ مرّة يزيد فيها انهيار القدرة الشرائية لدة فئة كبيرة من الناس”.
وختم: “حتى الهيئات الاقتصادية، لا تتحرّك سوى للحديث عن حاجتها الى دعم. هي تزور الرؤساء الثلاثة لتطالب بمكاسب ودعم لها، ومن دون أن تقوم بواجباتها في عدد من المجالات الأخرى. فلماذا مثلاً لا نجد تلك الهيئات تأخذ موقفاً جديّاً، يُساهم في التسريع بإنهاء الفراغ الرئاسي؟ أو في تشكيل الحكومات عندما يتأخّر التشكيل؟ هذا لا يحصل طبعاً، لأن حتى القطاع الخاص اعتاد على الفساد السلطوي، وعلى الممارسات السياسية الشاذّة، وهو يصمت عنها، ويتخاوى معها، مُكتفياً بالدّعم الذي يُمكنه أن يحصل عليه، بوجود رئيس أو حكومة، أو من دونهما. وهذا أمر لا يسمح بتوفير بيئة صالحة لاقتصاد سليم، في شكل مُستدام”.