“ليبانون ديبايت” – محمد المدني
أحد أهمّ سبل انتخاب رئيس للجمهورية، هو التوافق بين الكتل النيابية، وقد شهدتها عدة مبادرات محلية للتوافق، كان آخرها دعوة النائب نبيل بدر، عندما حاول إقناع أعضاء “الإئتلاف الوطني المستقل” ونواب قوى “التغيير”، بمرشّح واحد يمكن تسويقه لدى باقي الكتل السياسية.
وتزامناً مع دعوة الرئيس نبيه برّي للحوار يوم الخميس القادم، بات من شبه المؤكد أن التوافق بين الأفرقاء السياسيين لن يؤدي إلى انتخاب رئيسٍ للجمهورية، لأن الهدف المنشود، وهو التوافق، دونه العديد من العقبات أبرزها الإنقسامات داخل الصف الواحد، إن كان بين قوى المعارضة، أو في صفوف قوى الثامن من آذار.
ولأن الإتكال على الداخل لن يجدي نفعاً لملء الشغور الرئاسي، لا بدّ من تسوية إقليمية – دولية تفضي إلى انتخاب رئيس للبلاد ينتشلها من أسفل الهاوية الإقتصادية والمالية. وهنا، تجدر العودة إلى اتفاق الترسيم الذي حصل نتيجة توافق، أو أقلّه عدم ممانعة كل من فرنسا، وهي الدولة المستفيدة من الترسيم تجارياً، وإيران الجمهورية الراعية ل”حزب الله”، والولايات المتحدة الاميركية الراعية للتوافق بين إسرائيل ولبنان، وأخيراً إسرائيل الدولة العدو للبنان في ملف الترسيم تحديداً.
وهنا، نطرح عدة تساؤلات، لماذا سهّلت إيران إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لا سيّما أن إيران ترزح تحت الحصار الأميركي وضغط التظاهرات الشعبية في الداخل الإيراني، وهل يمكن أن يتكرّر سيناريو الترسيم في ملف رئاسة الجمهورية؟
وفي إطار التسويات الدولية – الإقليمية، برزت المبادرة الفرنسية التي ولدت بعد زيارة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى باريس، وقد نشطت الخارجية الفرنسية على خطّ الكتل السياسية من أجل تأمين حاضنة نيابية لانتخاب فرنجية. لكن المبادرة الفرنسية اصطدمت برفضٍ مسيحي، وعدم رضى غالبية النواب السنّة، ممّا دفع السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو، لمحاولة توسيط بعض المسؤولين الكبار في الدولة اللبنانية لتبنّي ترشيح فرنجية، لكن دون جدوى، فسقطت مبادرة باريس أو تمّ تجميدها إذا صحّ التعبير.
بعد فرنسا، ولدت المبادرة القطرية التي تبدو أكثر جدية من مبادرة باريس، فقطر مقتنعة بأن فيتو “حزب الله” على أي مرشّح يمنع وصوله إلى سدة الرئاسة، و”حزب الله” أيضاً لا يستطيع إيصال مرشحه، أكان فرنجية أو غيره دون موافقة باسيل حصراً، باعتبار أن “التيار الوطني الحر” هو الحليف الوحيد ل”حزب الله”، وهو من سيؤمن الغطاء المسيحي لهذا المرشح بمعزل عن هويته.
إنطلاقاً من هذه المعطيات، بادرت قطر إلى فتح أبوابها أمام جبران باسيل، وطرحت عليه إسماً واحداً فقط وهو قائد الجيش العماد جوزيف عون. معارضة باسيل لم تكن فقط على شخص العماد عون، بل منعاً لتكريس عُرفٍ جديد يخصّ قادة الجيش، لأنه يدرك أن هذا العرف يمنع وصوله إلى رئاسة الجمهورية بعد 6 سنوات.
وخلال زيارة باسيل إلى قطر، لم يعطِ رئيس “التيار الوطني الحر” قراراً نهائياً للقطريين بشأن قائد الجيش، طالباً منحه مهلةً زمنية لنهاية العام الجاري، علماً أن باسيل لديه عدة مطالب مقابل موافقته على ترئيس جوزيف عون، أبرزها المساعدة القطرية له في ما يخصّ العقوبات الأميركية المفروضة عليه.
تجدر الإشارة، إلى أن إسم قائد الجيش يحظى بموافقة سنّية، ولا مانع مسيحي له، ولا فيتو من حركة “أمل” بانتظار غمزة “حزب الله”، وهذه الغمزة لن تحصل إلاّ إذا تأكد الحزب بأن المملكة العربية السعودية ستشتري خيار قائد الجيش، تمهيداً لعودة السعودية إلى لبنان من باب الهبات والمساعدات المالية في سبيل إعادة النهوض بلبنان.