بعد وقت قصير من إعلان الصين أن عدد سكانها قد انكمش لأول مرة منذ أكثر من ستة عقود، حذر رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا من أن معدل المواليد المنخفض في بلاده وشيخوخة السكان يشكلان “خطرا محدقا”.
وقال كيشيدا: “اليابان تقف على أعتاب مرحلة قد لا يكون بإمكاننا فيها الاستمرار كمجتمع فاعل”.
وبعد انخفاض معدل المواليد في البلاد إلى مستوى قياسي جديد، أعلن المسؤولون في طوكيو أنهم سيضاعفون الإنفاق على البرامج المتعلقة بالأطفال لمحاولة تشجيع الناس على الإنجاب لزيادة نسبة المواليد.
لكن اليابان والصين ليسا البلدين الوحيدين في مواجهة هذه المشاكل، وإليك الطرق والإجراءات التي تحاول بواسطتها الدول التي تعاني من مشاكل مماثلة، زيادة معدلات المواليد.
إجازة أمومة طويلة جدا
ظلت بوريانا أندريفا غراماتيكوفا، البالغة من العمر 33 عاما، تتلقى راتبها الشهري الكامل لمدة 12 شهرا بعد ولادة ابنها في بلغاريا.
وقالت لبي بي سي: “في السنة الأولى من إجازة الأمومة، تحصل المرأة على 90 في المئة من راتبها، وفي السنة الثانية تحصل على الحد الأدنى للأجور”.
تبلغ نسبة المتقدمين في العمر في بلغاريا 22 في المئة، وهي واحدة من أعلى نسب البلدان الذين تزيد أعمار سكانها عن 65 عاما في الاتحاد الأوروبي، وفقا للبنك الدولي.
وفي محاولة للمساعدة في تغيير مسار هذه المشكلة، تبنت بلغاريا واحدة من أطول فترات إجازة الأمومة بأجر كامل في العالم.
نصف البلدان فقط المدرجة في تقرير اليونيسف عن البلدان المتقدمة، تمنح ستة أشهر على الأقل إجازة بأجر كامل للأمهات. بينما تقدم إستونيا للأمهات أطول مدة إجازة بأجر كامل، إذ تبلغ مدتها 85 أسبوعا، ولا يوجد لدى الولايات المتحدة سياسة وطنية على مستوى جميع الولايات لمنح الإجازة مدفوعة الأجر.
قالت غراماتيكوفا: “هناك نوع معين من الأمان في الحصول على إجازة لمدة عامين تقريبا لتربية طفلك”.
وأضافت: “إنك تحصلين على فرصة للتواصل مع طفلك وإذا كان لديك طفل مريض (كما هي الحال بالنسبة لي) وتحتاجين إلى أن تبقين بجانبه، تمنحك معرفة أنه بإمكانك البقاء معه، وفي نفس الوقت عدم خسارتك لوظيفتك، الشعور بالأمان والطمأنينة”.
لكن على الرغم من هذه السياسة السخية، من المتوقع أن تفقد بلغاريا 20 في المئة أو أكثر من سكانها بحلول عام 2050، وفقا للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن إجازة الأمومة طويلة ومدفوعة الأجر، إلا أن البلاد لا تزال تعد غير ودودة بالنسبة للوالدين من نواح أخرى.
وقالت غراماتيكوفا: “هناك العديد من المشكلات الأخرى، مثل نقص المساعدة المهنية لرعاية الأطفال، وتدني الرواتب، والتضخم الفائق، وارتفاع أسعار العقارات، والفجوة الكبيرة في الأجور بين الرجال والنساء”.
دفعات كبيرة للأمهات الشابات
بينما تمنح بلغاريا إجازة أمومة طويلة ومدفوعة الأجر في محاولة لزيادة معدل المواليد المنخفض، فإن كوريا الجنوبية تحاول إيجاد حل مختلف، ألا وهو منح المساعدات المالية.
فاعتبارا من العام الجاري يحق لكل عائلة لديها طفل حديث الولادة في كوريا الجنوبية الحصول على بدل شهري سخي يبلغ حوالي 745 دولارا.
والسبب في دفع هذا المبلغ السخي بسيط جدا.
إذ أنه من المتوقع في غضون عامين أن يكون خمس السكان في كوريا الجنوبية فوق سن 65 عاما، وفقا لوكالة الإحصاء الوطنية.
وحالها حال العديد من البلدان الأخرى، تكافح كوريا الجنوبية لضمان جعل نظامها الصحي والاجتماعي جاهزا وكفؤا للتعامل مع شيخوخة السكان، لكن مشاكلها أصبحت أكبر عندما انحدرت البلاد إلى أدنى معدل خصوبة في العالم في عام 2022.
لهذا السبب استجابت الحكومة بمضاعفة ما يسمى مدفوعات الأطفال بمقدار ثلاثة أضعاف، تدفع كاملة لمدة عام، وعندما يبلغ الطفل سنة من العمر، ينخفض المبلغ إلى النصف.
ويبدو أن صناع السياسات في البلاد يأملون أن يكون للمدفوعات تأثير كبير على المسار الديموغرافي الذي تسلكه الدولة.
لي سانج ريم، الباحث في معهد كوريا للشؤون الصحية والاجتماعية، قال لبي بي سي الخدمة الكورية في عام 2022: “في غضون 20 عاما فقط من المتوقع أن تتفوق كوريا الجنوبية على اليابان وتصبح صاحبة أكبر نسبة متقدمين في العمر في العالم”.
الاعتماد على الروبوتات
تشتهر اليابان بحبها للتكنولوجيا، لذلك ليس من المستغرب أن تتجه إلى الروبوتات لمساعدتها في التعامل مع مشكلة شيخوخة سكانها.
وقد بدأت القوى العاملة المسنة في البلاد بالفعل في إعاقة الاقتصاد الياباني، وفقا للبنك الدولي.
لذا وبالإضافة إلى خططها لمضاعفة الميزانية الخاصة بالسياسات المتعلقة بالأطفال، وإنشاء وكالة حكومية جديدة لمعالجة مشكلة شيخوخة السكان، تستثمر الحكومة اليابانية أيضا في الروبوتات للمساعدة في جعل حياة الناس أسهل في سن الشيخوخة.
وبمساعدة من التمويل الحكومي، تستثمر الشركات اليابانية في تصميم روبوتات الرعاية، بما في ذلك روبوتات الكلاب والفقمات، لمساعدة مقدمي الرعاية.
تم تصميم الروبوتات بحيث يمكنها مراقبة المستخدمين والمشاركة في المحادثة والمساعدة في الحركة.
معالجة تبعات سياسة الطفل الواحد
تقدم الحكومة الصينية إعفاءات ضريبية ورعاية صحية أفضل للأم منذ أن ألغت سياسة الطفل الواحد المثيرة للجدل في عام 2016، وسمحت للأزواج بإنجاب طفلين.
وقد جعل الرئيس الصيني شي جين بينغ زيادة معدلات المواليد أولوية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، لكن تبين أن زيادة معدلات المواليد أصعب بكثير من خفضها.
انخفض عدد سكان الصين لأول مرة منذ ستة عقود في عام 2023، بمعدل ولادة 6.77 فقط لكل 1000 شخص.
ووعد شي جين بينغ بأن حكومته سوف “تتبع استراتيجية وطنية استباقية” لاحتواء مشكلة شيخوخة السكان في البلاد.
لكن المستقبل لا يبدو مشرقا، إذ وفقا لتوقعات الأمم المتحدة، فإن عدد الصينيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 64 عاما سينخفض بنسبة أكثر من 60 في المئة هذا القرن.
ويُخشى أن تؤثر القوى العاملة المسنة على اقتصاد الصين الضخم، وبطبيعة الحال فإن أي تباطؤ في الاقتصاد الصيني يمكن أن يكون له تأثير على العالم بأسره.
التعليم مدى الحياة
ولمساعدة القوى العاملة في مواجهة تحديات شيخوخة السكان، استثمرت الحكومة في مبادرات التعلم مدى الحياة.
ووفقا لهذه المبادرات تقدم بعض الجامعات دورات ذات صلة بالصناعة، يمكن أن يلتحق بها حتى الذين مضى على تخرجهم مدة 20 عاما، بينما يقدم البعض الآخر قروضا ائتمانية للخريجين لتغطية رسوم الدورات المتعلقة بالمهارات المستجدة والناشئة، وفقا للبنك الدولي.
كما يمكن للسنغافوريين أيضا استخدام نظام المعاش التقاعدي السنوي للتأمين على المدى الطويل، والذي يوفر لهم مدفوعات شهرية حتى نهاية حياتهم، مما يقلل من مخاطر تجاوز مواردهم التقاعدية.
وتزعم الحكومة أن شعارها هو “بغض النظر عن المدة التي تعيشها، فلا داعي للقلق أبدا”.
ويتم تمويل هذا النظام من خلال مساهمات شهرية إلزامية تقتطع من حساب الشخص، وتقدم على صورة مدفوعات شهرية خلال الشيخوخة طالما أن الشخص ما زال على قيد الحياة.