حرية موقوت-الكاتبة نور فهمي

قضبان العادة تحاصرنى، أحاول الفرار بحثا عنى فى زحام الجينات.
أتساءل: هل يمكن أن يحصل كل منا على شهادة ضمان قبل الولادة؛ فتصبح لديه سلطة مطلقة على حياته،
أو ربما يخرج لهذه الحياة بكامل وعيه، وإرادته الحرة.
هل تصور أحدكم لو أنه كان مخيرا من البداية؟!
لا أستبعد أن يصل بنا العلم للمنطقة التى تحررنا جميعا للأبد، كما وصل وحقق من قبل خيالات الموهومين مثلى!
ولكن إلى أن يحدث ذلك؛
فانت وأنا مكبلين بمنطقة (اللاستقرار) هذه؛ تلك التى لا تنال منها مميزات الرفعة، ولا تحظى بغوغائية الأرض!
لا أنت حاضر هنا، ولا رابض هناك؛ ففى دنيانا التى نحياها، تكمن كل الأباطيل والعذابات، وهناك حيث الأساطير عن الجنان ومتاعها، لا تطالها أيادى المدعين، ولا تتحقق من وجودها المادى إلا فى حالة الموت.
بحور من الغموض لا تدرك مداها، ولكنها تشقيك حتما إذا حاولت البحث عنها، أسيرا لطاقتها المعلولة.
وأنا أكره الحبس ..أمقت التقييد..أرفض أغلال العادة والتقليد.
أريد أن أمارس شغفى بشكل تلقائى..عشوائى.
لا أوامر أو نواهى، لا منع أو قواعد تحكمنى.
روح حرة تسكن أبعاد جسد محدد، تقاوم من أجل الهروب إلى رحابة الأجساد كلها..إلى فضاءات العالم بامتداده.
تريد أن تتلون وتتشكل بحرية. تتنقل دون حدود
من عقل لآخر، ومن جسد لآخر.
تختار ما يلاءم مزاجها الآنى وحدسها ..ما يذيقها متعة الحياة ..بهجتها..جنونها،
ثم ترحل من جديد، لتعود وقد أصبحت أخرى أو أخريات،
ولذلك اكتب؛ فاحتفظ بكل هذه العوالم، مستوحاة كانت، أو ابنة خيالى.
اكتب فى أكثر الأماكن ضيقا، على أوراقى، أو أنقر بالأحرف على شاشة هاتفى تحت أغطية الفراش،
فى ساعات الليل المتأخرة، أو حتى بعد الغروب مباشرة. وكأن قرص الشمس يتلذذ بإثارة أعصابى..يردى طاقات روحى، ويوارى نورها معلنا انتصاراته!
فكلما راقصنى الليل بسحره..كلما توهجت كلماتى.
وكلما ضاق المكان أكثر كلما تحرر فكرى، واتسعت عوالمى لأتقمص الحالة بشكل أعمق وأصدق.
فأنا لا أخط حروفا ولا نصوصا، بل أجسد طاقتى جمعاء!
الكتابة بالنسبة لى هى تأشيرة عبور لعالم موازى، عالم غير مثالى كما يظن البعض، بل كما قلت آنفا فى سطورى، يتنقل من حالة لحالة..ومن ظرف لآخر؛ فمن شدة اليأس إلى نشوة التجلى، ومن قمة الزهو إلى قاع الخزى!
يداعب غرورى أحيانا ثم يردنى أسفل سافلين!
اختزان رهيب لطاقات بلا عدد ولا انتهاء، تسبب أحيانا ضيقا فى التنفس، واختناقا للروح. تسجننى مع سبق الإصرار، ثم تعود بعدها فتطلق سراحى!
أحاول التعتيم والتحفظ، فأنجح إلا أن أحيد عن ذاتى!
يراوغنى عقلى محاولا اقناعى بضرورة التكتم، فيفضحه قلبى غيظا وكيدا وينطلق من ثم غير آسفا على حالى.
هى رغبة، لا ادرى حقا من أين جاءت، ولا إلى أين تؤول، ولو كان الأمر بيدى لأوقفت تسللها الوحشى إلى خلايا عقلى، ولتمكنت منها، فاسرتها للأبد!
هى أداتى الوحيدة للمقاومة وأحيانا أكون أنا أداتها.
نتبادل الأدوار بيننا، لنعيد تخليق معنى من كل هذه التفاهات والعشوائية.
وسيلة هى لقمعى وتحررى فى آن. سببا فى هزائمى وانتصاراتى ..جنونى وحكمتى..عزاءاتى وأفراحى..المعنى وضده كامنان فيها، بل هى أضحت كظلى، وكالعظام على لحمى.
لو انتهت بعذاباتها وتلاشت، لانتهيت انا ايضا فى لمح البصر!
ولنظرت إلى مرآتى لأصطدم حينها بالفراغ.
عليلة أصير دونها، بلا روح أو هدف..بلا وجود أو كيان..
الخلاصة؛
هى فرصتى الأخيرة وربما الوحيدة فى النجاة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى