هي حرب من نوع آخر من الممكن أن نوصّفها ب”حرب الأغبياء”، حيث يعمد عدد من الطائشين على بثّ أخبار كاذبة، الهدف منها هو المزاح، إنما النتيجة كارثة نفسية غير مباشرة يتحمل ثقلها العشرات والمئات من السكان.
ففي خضم الحرب الضروس التي يشنها الجيش الإسرائيلي على لبنان من شماله الى جنوبه زاعما استهداف مواقع أسلحة لحزب الله، ترافق هذه الحرب ظاهرة الأخبار الكاذبة والشائعات لتزيد من تعقيد المشهد وتوتر الوضع العام. فوسط هذه الحرب النفسية، انتشرت ظاهرة مثيرة للقلق تمثلت في تلقي العديد من اللبنانيين رسائل تهديد عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي. هذه الرسائل، التي تأتي في خضم القصف والتهديدات الحقيقية من إسرائيل، تُرسل من قبل البعض بداعي المزاح، ما أدى إلى بث حالة من الذعر في المجتمع اللبناني.
فبينما يتلقى البعض رسائل تهديد حقيقية من إسرائيل تهدف إلى نشر الرعب، وتطلب من المواطنين مغادرة منازلهم لأنها ستتعرض بين اللحظة والأخرى للقصف، قرّر آخرون استغلال هذه الأجواء المشحونة لإرسال رسائل تهديد وهمية إلى أصدقائهم وأقاربهم، ما زاد من حالة الارتباك والهلع. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن بعض هذه الرسائل الوهمية نُسجت بطريقة تُحاكي الرسائل الرسمية الإسرائيلية، مما جعل من الصعب التمييز بينها وبين التهديدات الحقيقية.
وفي حادثة حصلت في إحدى قرى جبل لبنان، وتحديدا في قضاء عاليه، فجأة تلقى سكان إحدى البلدات خبرا مفاده أن العدو الإسرائيلي بعث برسالة إلى أصحاب أحد المنازل اتهمه من خلالها بأنّه أجّر منزله لأشخاص على علاقة بالحزب، والمنزل سيتم قصفه.. انتشر الخبر كالنار في الهشيم.. أغلق أصحاب المصالح متاجرهم، وقام العشرات من الذين يسكنون في القرب من المبنى المهدّد بإخلاء منازلهم.. قُطعت الطريق على بعد مئات الأمتار منعا لمرور السيارات، وحمل الأهالي حقائب الثياب وخرجوا. أحد الآباء نسي حليب الأطفال لابنه، لكن لم يكن لديه الجرأة على الذهاب مرة أخرى لمنزله، لخوفه من أن يقصف الطيران أثناء تواجده. وخلال أقل من نصف ساعة، تحوّل الحي الحيوي إلى مدينة أشباح. لا صوت ولا سيارة ولا أي حركة، فالجميع يترقب الضربة الإسرائيلية التي ستنفذ لأوّل مرة على منطقة لم يسبق لها أن تعرضت لأي ضربة. ساعات عصيبة بدأت منذ حوالي الساعة الرابعة، انتظر أهالي البلدة لساعات وساعات، ما من شيء حصل، علما أنهم قد حفظوا العدو عن ظهر قلب، فهو الذي يهدّد ويعين هدفه ويسدد من دون أي رحمة.
ساعات مرّت لم يحدث شيء إلى أن تبين خلال ساعات الصباح الأولى أن التهديد مفبرك، وما حصل كان مجرد مسرحية رخيصة جدًا جدًا.
الأخبار الزائفة التي تعتبر سلاحا مهما بالنسبة للعدو، بات انتشارها اليوم أسرع من أي وقت مضى في خضم عصر السرعة والتكنولوجيا، وهذا ما حصل تماما خلال الايام الماضية، حيث تمكنت قوى الأمن من توقيف شخصين، إذ حوالي الساعة الرابعة مساء وردت رسالة نصية إلى هاتف أحد المواطنين في محلة طريق الجديدة – شارع الاوزاعي قرب دار الايتام الاسلامية على بعد حوالي ٤٠ متراً من تقاطع البربير مفادها ضرورة إخلاء المبنى القاطنين به حفاظاً على سلامتهم.
على الفور تم تحويل السير في الشارع وتمت عملية إخلاء المبنى من قبل سكانه، وأعطيت الأوامر لشعبة المعلومات المباشرة بإجراءاتها للتحقق من مصدر الرسالة المشبوهة.
وبنتيجة المتابعة الفنية والاستعلامية تبين أن شخصين هما وراء هذه العملية، وبالتحقيق معهما اعترفا انهما قاما بإرسال الرسالة المشبوهة عبر تطبيق VGSMS على سبيل المزاح كونه تربطهما علاقة صداقة بأحد سكان المبنى.
وهذا النوع من الاخبار امتد من الأوزاعي الى الكحالة، وصولا إلى البسطة وحي اللجا، وعدد كبير من المناطق. وعليه، شدّد مصدر أمني لـ”لبنان24″ على أن هذه الرسائل الوهمية قد تؤدي إلى مضاعفة الجهود الأمنية في تحديد مصادر التهديدات الحقيقية، مما يُعرقل العمل الأمني ويشتت الانتباه عن التهديدات الحقيقية. وأضاف أن الجهات المختصة بدأت في متابعة هذه الظاهرة وستتخذ إجراءات قانونية بحق من يثبت تورطهم في نشر هذه الرسائل.
بالتوازي، يحذر الخبراء في علم النفس الاجتماعي من أن هذا النوع من المزاح قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية كبيرة على الصحة النفسية للأفراد، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها اللبنانيون حالياً. ويؤكدون ضرورة التزام الأفراد بمسؤولية التواصل خلال الأزمات وعدم استغلال الوضع لنشر المزيد من الفوضى والذعر.