في ضوء الأزمة التي تمر بها المدارس الرسمية اللبنانية، طرحَ «المركز اللبناني للدراسات» سلسلةً من الأسئلة على الخبيرة التربوية ريما بحوث للوقوف على رأيها حول العوامل التي تُعيق العام الدراسي والخطوات الواجب اتّخاذها للحدّ من التدهور الخطير في قطاع التعليم الرسمي في لبنان. اذ بدأ العام الدراسي، لكنّ المدارس الرسمية لم تفتح أبوابها بعد في مختلف المناطق اللبنانية. ما الذي يُسبّب هذا التأخير؟ تقول بحوث: في المدارس الرسمية، تكمُن المشكلة الأساسية في التمويل. كانَ من المُفترض أن تفتح المدارس الرسمية أبوابها في شهر أيلول، إنّما تمّ تأجيل إطلاق العام الدراسي بسبب تحديات كثيرة، أبرزها نقص التمويل. الموعد الذي حُدِّد لفتح المدارس الرسمية هو 9 تشرين الأول. ولكن، في حال لم تتوفّر الأموال اللازمة لدفع رواتب المعلمين، من المرجح أن يذهب المعلّمون، مهما كانوا متفانين في رسالتهم، إلى خيار الإضراب.
ويذكر انه في اجتماعٍ عُقِدَ مؤخراً في البرلمان، عرضَ المسؤولون في وزارة التربية والتعليم العالي قائمةً طويلة بالعقبات التي تَحول دون فتح المدارس الرسمية، بما في ذلك نقص الكتب، وتغيُّب المعلّمين أو انتقالهم إلى المدارس الخاصة، وانتقال طلاب المدارس الرسمية إلى المدارس الخاصة بأعداد كبيرة، وتداعي المباني المدرسية بسبب مشاكل الصيانة. وأكدت بحوث ان هذه العقبات ناتجة عن نقص التمويل، وشرحت كالآتي:
5 عقبات
– النقص في الكتب: جميع الكتب المدرسية ستكون متاحة بشكل ملفات pdf (أي يمكن تنزيلها وطباعتها). وحقوق الطبع والنشر عائدة إلى المركز التربوي للبحوث والإنماء. بالتالي، لا مشاكل متعلّقة بحقوق الطبع والنشر، وهذا يُسهِّل الأمور نوعاً ما.
– تغيُّب المعلّمين أو انتقالهم إلى مدارس خاصة: هل يمكن أن نلومهم؟ ما زالوا يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية. ولا قيمة للرواتب، على الرغم من تعديلها مؤخراً لتصل إلى 7 أضعاف الراتب الشهري الأساسي. كانَ بعض المعلّمين ذوي الخبرة يتقاضون راتباً يصل إلى 1.8 مليون ليرة لبنانية قبل زيادة الراتب. أما المعلّمون في المدارس الخاصة فيتقاضون رواتبهم بالدولار والليرة اللبنانية (لكل مدرسة خاصة خصوصيّتها طبعاً، علماً أنّ معلمي المدارس في بيروت الكبرى يتقاضون أجوراً أعلى من أجور المعلّمين خارج العاصمة.
– انتقال الطلاب بأعداد كبيرة من المدارس الرسمية إلى المدارس الخاصة: هذا ليس بالأمر الجديد. إذا راجعْنا تاريخ قطاع التعليم في لبنان، يتبيّن أنَّ الأهل يُفضّلون إرسال أولادهم إلى المدارس الخاصة إذا كانوا قادرين على دفع الأقساط. فمنذ إنشاء المدارس الرسمية في لبنان، وُصِفَت بـ «مدارس الفقراء». وللأسف، لا تُوفِّر جميع المدارس الخاصة تعليماً جيداً.
– المباني المدرسية المتداعية بسبب مشاكل الصيانة: حانَ الوقت لإغلاق هذه المدارس. لماذا نحتاج إلى مدارس رسمية متعدّدة في مدينة واحدة أو في كل قرية؟ نتحدّث عن التماسك الاجتماعي، لكنّنا لا نقوم بأي خطوة في هذا الاتّجاه. يجب إغلاق المدارس التي تحتاج إلى إصلاحات كبيرة، وتلك الموجودة في مبانٍ مُستأجرة، والتي فيها عددٌ قليل من الطلاب. ويجب الاحتفاظ بالمدارس غير المستأجرة والتي لا تحتاج إلى إصلاحات كبيرة، والاستثمار في حافلات صغيرة لنقل التلاميذ من قرية إلى أخرى، والحرص على أن يلتحق الأولاد من مختلف القرى بمدرسةٍ واحدة.
وقالت بشأن ان التمويل لن يتمكّن، مهما بلغ حجمه، من إعادة إحياء نظام المدارس الرسمية ما لم تُعالَج هذه المشكلة، ان التمويل مهمّ. ولكنْ، هناك أمور كثيرة تدور خلف الكواليس ولا يعلم بها الرأي العام. وللأسف، غالباً ما ننظر إلى المشكلة من جانب واحد، ونتسرّع في إطلاق استنتاجاتنا الخاصة، وننتقد من دون جدوى. فنحن لا نفكّر في حجم العمل والجهد الذي يبذله الآخرون لتدريب المعلّمين وتأمين تعليم أفضل للجميع. ربما يجب لمرّة واحدة أن ننظر في جميع المبادرات التي يتم تنفيذها وإبلاغ الجهات المعنيّة بكلّ واحدة منها.
وتوسعت لتقول: تشمل بعض المبادرات تدريب معلّمي المدارس الرسمية، وتطوير المناهج الدراسية، وورش العمل للمدربين ومدرّبي المدربين، وتطوير المواد التعليمية، ومراجعة الكتب والقصص والموافقة عليها لاستخدامها في المدارس الرسمية. لقد تولّى الموظّفون/المُدرِّبون في المركز التربوي للبحوث والإنماء تنفيذ معظم هذه المبادرات. ويتم بالطبع توفير التمويل من قِبل جهات كثيرة مثل البنك الدولي، واليونيسف، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والوكالة الجامعية للفرنكوفونية، والمعهد الفرنسي، ومشروع «كتابي»، على سبيل المثال لا الحصر.
حلول المديين القريب والبعيد
وعن الحلول على المدى القريب، اشارت الى ضرورة توفير التطوير المهني العملي للمعلّمين الحاليّين لمساعدتهم على التعامل مع «الفاقد التعليمي» (وكذلك متابعة التدريب)؛ وإطلاق برامج الإلمام بالقراءة والكتابة ومعرفة الحساب من أجل معالجة «الفاقد التعليمي»؛ والعمل مع المنظّمات غير الحكومية والطلب من المتطوّعين قضاء بعض الوقت في المدرسة مع الأطفال/المتعلّمين بهدف تعزيز ما اكتسبه الطلّاب خلال ساعات الدراسة، إنما من خلال أسلوب المرح واللعب. ولكن، من أجل الحفاظ على المعلّمين وضمان رفاههم، ينبغي على وزارة التربية والتعليم العالي أن تقدّم حوافز للمعلّمين المستعدّين لحضور التدريب وتطبيق المناهج الجديدة في حصصهم.
وعن الحلول على المدى البعيد ركزت بحوث على إعادة هيكلة نظام التعليم وإعادة النظر في المناهج الدراسية – يجب أن يخضع مديرو المدارس والمنسّقون والمعلّمون والعاملون في المدارس للمساءلة، وينبغي أن يضعوا التطوير المهني المستمر كأحد أهدافهم لتوفير أفضل تعليم للمتعلّمين. ويتوجّب عليهم استخدام طرائق تدريس مختلفة ومتنوعة للوصول إلى كلّ طالب في صفّهم من دون استثناء؛ واستعمال أساليب التعلّم التفاعلي والخروج عن أسلوب التلقين (بالمناسبة، يجري تدريبهم على ذلك)؛ ويجب على المعلّمين استخدام تقنيات تقييم مختلفة (بحيث لا تكون محصورة بالاختبارات الموحّدة بالقلم والورقة).