القوات” و”التيار” في الاختبار الأخير..

اما وقد رسا التنافس الرئاسي بين إسمين لا ثالث لهما هما رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون، فإنّ المواقف الدولية والاقليمية والمحلية في هذه المرحلة تدل إلى انّ الامور تنحو إلى ان تكون الساحة المسيحية محط أنظار المعنيين بالاستحقاق الرئاسي. إذ انّ آخر الاوراق التي يمكن ان يلعبها كل من «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» في الشق الملتصق برئيسه النائب جبران باسيل هي ورقة «الفيتو» المسيحي.

خامساً- انّ اعتبار ترشيح سليمان فرنجية يلزمه غطاء مسيحياً هو في غير محله، لأنّ هذا الاخير ليس في حاجة إلى غطاء، فغطاؤه منه وفيه. فهو يتحدّر من زعامة مارونية مؤسسة للكيان اللبناني، وهو ايضاً صاحب حيثية تمثيلية نالت بمفردها ما يقرب من 30 الف صوت مسيحي في دائرته الانتخابية، كما انّ مرشحه رفلة دياب في طرابلس نال الرقم الاكبر من بين المرشحين المسيحيين، كذلك فإنّ حلفاءه قد تصدّروا نتائج الانتخابات، سواء فريد هيكل الخازن في كسروان او ميشال الياس المر في المتن الشمالي. وبالتالي، انّ تصوير الامر وكأنّه جاء من عدم، هو ظلم غير مبرّر، من دون ان ننسى عدم ممانعة بكركي لانتخابه.

 

 

 

ويرى المراقبون، انّ كلاً من «التيار» و»القوات» لديهما فرصة تاريخية لالتقاط الإشارة قبل فوات الاوان وقبل سقوط فرصة استعمال قدرتهما التمثيلية في الوجهة الصحيحة فعلى «التيار» مثلاً ان يبادر الى دعم ترشيح فرنجية الذي يشكّل وصوله إلى رئاسة الجمهورية ضماناً لمستقبله (أي التيار) وتمتيناً لوضعه الشعبي، بعد التهشيم الذي اصابه جراء ادائه في عهد الرئيس ميشال عون. فمن يدري، انّه وفي لحظة دولية واقليمية معينة، ترتفع اسهم قائد الجيش مقابل ضمانات سياسية كبرى لـ»حزب الله» الذي اقرّ بعدم وضع «فيتو» على ترشيحه.

 

 

 

كما انّ على «القوات» في المقابل ان تلتقط فرصة تعنّت باسيل ولحظة الاندفاعة الدولية والمرونة السعودية، وتبادر إلى دعم ترشيح فرنجية، وتكون عراباً للعهد الجديد، بحيث يليق هذا الموقف بالكتلة الاكثر تمثيلاً عند المسيحيين.

 

 

 

على انّ وصول قائد الجيش بالنسبة إلى الفريقين على حدّ سواء ستكون له تبعات سلبية جداً، إذ انّ مشكلته مع باسيل هي اعمق بكثير من مشكلة باسيل مع فرنجية، كما انّ مشكلته مع جعجع هي ذات بعد تاريخي يتصل بـ»حرب الالغاء»، وهذه كانت خلفية اختيار الرئيس عون له كقائد للجيش، حسبما أسرّ الرئيس لمن راجعه في أسباب اختياره له.

 

 

 

يبقى انّه عندما تحين اللحظة الخارجية وينطلق قطار الانتخابات الرئاسية، فلن يقف عند اي محطة محلية باستثناء المحطات التي تُرسم له بموجب التفاهم الدولي.

 

فـ»القوات اللبنانية» لعبت ورقة المرشح ميشال معوض، بعدما استندت إلى قبول ترشيحه لدى الحزب «التقدمي الاشتراكي»، وذهبت به إلى مجلس النواب بقبول كتائبي على مضض، وكذلك قبول بعض الشخصيات المستقلة التي ارادت ان تبيع لمعوض ولـ»القوات» موقفاً في زمن فولكلور نيابي لا يمكنه انتاج رئيس، وهذا ما كان معروفاً سلفاً لدى القاصي والداني.

 

 

 

أما وقد عجز هذا الفريق عن إحضار بقية المكونات من قوى تغييرية وسنّية تحت شعار «السيادة»، لأسباب تتصل بعدم ثقتهم برئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، فإنّ الموقف اليوم يذهب في اتجاه دعم ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، الذي يمكنه ان يلقى قبولاً لدى الخارج وكذلك لدى بعض الداخل، الذي لم يؤيد ترشيح معوض، حتى انّ هذا الاخير قد غرّد قبل يومين على انّه مستعد لسحب ترشيحه لمصلحة مرشح آخر «سيادي»، ما يؤكّد نظرية التخلّي عن ترشيحه لمصلحة قائد الجيش. إلّا أنّ هذا الاخير قد أرسل إلى جعجع محذّراً إياه من مغبة تبنّي ترشيحه، لأنّه يعطي هذا الترشيح منحى فئوياً، علماً انّه بات من المؤكّد انّ «القوات اللبنانية» قد فتحت قناة اتصال مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بهدف التوصل الى قواسم مشتركة بينهما على أساس تبنّي «القوات» خيار بري.

 

 

 

اما في مقلب «التيار الوطني الحر»، فإنّه وبعد لقاء الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله مع باسيل، فإنّ هذا الاخير قد ذهب في اتجاه صادم، معاكساً رغبة الحزب بتبنّي ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لأسباب استراتيجية، يراها الحزب ضرورة ملحّة في ظرف اقليمي دقيق. وفي الوقت عينه، تشهد العلاقة بين مجموعة لا يستهان بها من نواب «التيار الوطني الحر» وباسيل، توتراً غير مسبوق لجهة رفضه تبنّي ترشيح احدهم لرئاسة الجمهورية، في ظلّ رفضه المطلق لترشيح فرنجية، متسائلين عن هوية الخيار الثالث الذي يروّج له، ومعتبرين انّ ما من خيار ثالث في الانتخابات الرئاسية، وانّ وصول العماد جوزف عون يشكّل خطر استقطاب لجمهورهم.

 

 

 

وإزاء هذا الواقع، يتوقع مواكبون ومعنيون بالاستحقاق الرئاسي، ذهاب كل من جعجع وباسيل إلى التصعيد، في ظلّ ليونة خارجية بدت ملامحها تنعكس على الاستحقاق الرئاسي، وذلك من اجل قطع الطريق على فرنجية، معتمدين، كل من موقعه، على انّهما «الممر الالزامي» لأي انتخابات رئاسية كونهما الاكثر تمثيلاً على الساحة المسيحية.

 

 

 

وفي هذا السياق، يسجّل المراقبون والمعنيون اياهم الآتي:

 

اولاً- انّه قد سبق للمسيحيين ان جرّبوا الرئيس العماد ميشال عون وجعجع كـ»ممر الزامي»، وكانت النتيجة انهيار البلاد انهياراً لم يشهده لبنان منذ تأسيسه.

 

 

 

 

ثانياً- انّ المسيحيين في لبنان لا يمكن ان يُختصروا بـ»التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، فهنالك قوى اخرى موجودة، لها حيثية تمثيلية وتاريخية ولديها رأي في مصير المسيحيين، من دون ان ننسى البطريركية المارونية والبطريركيتين الارثوذكسية والكاثوليكية وسائر المرجعيات الدينية المسيحية التي يمكن ان لا توافقهما الرأي، واكبر مثل تاريخي في هذا الصدد، هو دعم البطريرك الماروني الراحل مار نصرالله بطرس صفير لـ»اتفاق الطائف»، في الوقت الذي حارب هذا الثنائي المسيحي «الطائف» بالبندقية والمدفع.

 

 

 

رابعاً- لا يجب ان يغيب عن بال احد انّ «التيار» و»القوات» هما قوتان منفوختان. فـ»القوات» استمدت قوتها السياسية والتمويلية من دول الخليج بنحو فائق لا يمكن لأي قوة مسيحية مجاراته، بالإضافة الى الغطاء الغربي، والاميركي بالتحديد. وكذلك الامر بالنسبة إلى «التيار الوطني الحر» الذي يأخذ الدعم الشعبي من «حزب الله» وحلفائه، ولولاهما لخسر نصف عدد مقاعده النيابية، وبالتالي فإنّ مجاهرة «القوات» و»التيار» بأنّهما «ممر الزامي» لا تستقيم، خصوصاً امام رعاتهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى