تلفريك-حريصا سيبقى من أجمل معالم جبل لبنان

خاص/ غري-ندين

تقع الأحداث في جميع الدول، حتى الأكثر منها تطوراً، ولكن يوضع كلّ حادث في إطاره، وتحدد المسؤوليات، بعد التأكد من طبيعة الحادث وأسبابه، وتعالج التداعيات من دون مبالغة، ومن دون توزيع للتهم،
ولكن للأسف في لبنان، عندما يقع أيّ حادث كان، وقبل التأكد مما جرى، ومن الأسباب الحقيقية، توزّع التّهم، وينضح كلّ إناء بما فيه، من حقد وخبث ورغبة في الإنتقام، من دون الأخذ بعين الإعتبار مصلحة البلد والإقتصاد والسياحة،
فتخلق الإشاعات بسحر ساحر، لتنطق ألسنة الجهابزة بالتحاليل من دون الارتكاز الى العلم او المنطق، او حتى التكلم مع المعنيين او المسؤولين قبل التفوه بالأسباب والنتائج اللا مبررة من الأساس، وتتم المبالغة في تقدير حجم الحدث او الحادث، والضحية بالطبع بالدرجة الأولى من هو في مسرح الحادث ويعيش حالة الصدمة وما يتعرض له،
وبالدرجة الثانية سمعة لبنان وسياحته وطموحات شعبه، وبخاصةٍ عندما وقعت من بين هذه الأحداث، حادثة التلفريك، التي وقعت مع الأسف ولكنها انتهت على خير، واحداث التلفريك ليست بجديدة في معظم دول العالم، وقد وقعت عدة حوادث تلفريك أو مصاعد تزلج كهربائية، في السنوات الخمسين الأخيرة في أوروبا، على غرار الحادث الذي أدى إلى مقتل أربعة عشر شخصاً وإصابة شخص بجروح خطرة، في ستريزا في شمال إيطاليا، إثر تحطم مقصورة التلفريك.
ولكن في لبنان وعلى مدى ستين عاماً من تاريخه، لم يشهد التلفريك على أيّ حادث مأساوي، ويعود ذلك إلى عناية العذراء، الذي سلم لرعايتها عند تأسيسه، والى الصيانة التي تسهر عليها الشركة من ناحية أخرى.
عندما يذكر موقع سياحي من بين أهم المواقع السياحية في وطن الأرز فوراً يذهب الفكر والعقل والروح، إلى مكان واحد، إلى المكان الذي تتلاقى فيه الطبيعة والدهشة ، إلى أبهى المشاهد وإلى الجمال الذي ما بعده جمال، وإلى الطبيعة التي لا يمكن أن تمر بها من دون أن تمجد اسم الربّ، فكيف إذا كانت وجهة التلفريك صعوداً، على درب مليئة محبة صلاة وترانيم، درب تعبق بعطر البخور والصنوبر المبارك، ويفوح في الأرجاء الأكسيجين النقي، فتلمع عيون خاشعة باتجاه سيدة حريصا، سيدة لبنان.
فكرة التلفريك كانت قد وصلت إلى لبنان، من عشرات السنين. بفضل عائلة بولس وفارس وبالتعاون مع جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة، والمهندس فوزي زريق، وغيرهم ، وكان الهدف الأساس من تنفيذه جعل مزار حريصا، قبلة للحج بوسيلة مبتكرة ، مع توفير السلام الداخلي والروحي العميق لهذه الزيارة، من خلال مشاهد طبيعية ربّانية يصعب وصفها إلاّ بالإحساس العميق.
ومع هذه التجربة الممتعة والمشوقة الساحرة أصبح من أجمل معالم جبل لبنان، ومن أجمل الأماكن السياحية على الإطلاق، بخاصةٍ بضور السياح الأجانب والعرب الدائمة، في كلّ الفصول والظروف من دون تردد. مسيرة التلفريك في لبنان بدأت عام 1965 بفضل العلاقات التجارية التي كانت تربط عائلة بولس مع شركة ألمانية ضخمة وكل المعدات التي يتكون منها التيليفريك هي إلمانية من الشركة التي اخترعت مبدأ التلفريك، منذ حوالى الثلاثمائة عام، مزودة بمعدات صلبة جدا” تمّ إحضارها وتركيبها بصعوبة.
اليوم بعد ثماني وخمسين سنة، وقد نقل التلفريك من خلالها، اثنا عشر مليون شخص، فقد أصبح معلما” مهما” يقصده السياح ، وهناك تواصل مع الشركاء وبخاصةٍ الآباء المرسلين، كثر هم الذين يعتقدون أن التيليفريك مؤسسة عامة، ولكن في الحقيقة التلفريك هو شركة خاصة قانونيا” ذي منفعة عامّة، مما يعني لديها إشراف من الدولة في بنود الإمتياز ما يعني مفروض أن يكون لديها علاقة مع دائرة الإمتيازات المتواجدة حالياً في وزارة الطاقة .
إضافة الى ذلك يتعاون التلفريك مع شركة هندسية محلية ” او-س-أم في جبيل المهندس أمين معوّض، وهي تشرف على صيانة المشروع ، للتأكد من نوعية الصيانة. والشركة تغلق أبوابها كل نهار اثنين ليقوم عمّال الصيانة بعملهم على مدار السنة، وكل سنة يأتي خبراء صيانة من أوروبا، تحديداً من بيروفيريتاس، للإشراف على الكابلات والحجيرات والمعدات، وكل التفاصيل، وبعدها يرفعون تقريراً يسّلم إلى مجلس الإدارة في شركة التلفريك، ليبنى على كل الشيء مقتضاه، ثم يتمّ إرسال نسخة إلى مديرية الإمتيازات في وزارة الطاقة، لكي يكونوا على علم بكل شيء يخص أعمال الصيانة، وللإطمئنان على سلامة الزوّار .
وبعد حادث التلفريك الأخير، الذي جرى لسوء الحظ، في ذروة الموسم السياحي وعطلة الأعياد، حاول الكثيرون الاستفادة من الحادث، للإساءة للبلد ومحاولة ضرب الثقة في التلفريك، الذي هو وجه حضاري للبنان، وما قد صار معلوما، أن أي حادث سلبي يقع في هذا البلد الصغير بالمساحة، يتناوله المغرضون الذين يعيشون كطفيليات، ترقص على جروح الأخرين، وتختال على أمور مأساوية قد تحصل في أي مكان وزمان في العالم، وفي دولٍ عظمى، على الرغم من جهوزياتها وإدارتها للكوارث، ويهذا يطلق عليها كلمة حوادث، لأنها قد تحصل من دون سابق انذار وبطريقة مفاجئة.
ليس لأننا في لبنان معنى ذلك أن أي حادث هو نتيجة فساد او اهمال او عدم تحمل مسؤولية …. وعليه فإن القييمين على شركة التلفريك، حريصون كل الحرص عليها، يصونونها برموش العين، ولا يبخلون عليها بشيء، من أموال وغيرها وهم الذين يقبلون على السهر والتعب وإعطاء العاملين لديهم كامل الصقة في تحمل المسؤولية وارعاية أرواح الناس وحماية كل شخص يقصدها، فأرواح الناس أهم واغلى من كنوز العالم وأموالها.
يستغرب من بعض شرائح الشعب اللبناني كيفية التفاعل مع خبر حزين ومرعب بهذه الدرجة، وبهذا القدر من الاستخفاف، من دون التأكد من المصادر ومن دون التأكد من الأسباب التي على اثرها جرى الحادث مع العلم أنه الحادث الوحيد الذي يستحق الذكر بعد خمسة وستين سنة من تأسيسه، فهو لم يشهد منذ ذلك الحين أي حادث خطير يذكر.
على الرغم من رمي الاشاعات والفتن بحق شركة التيليفريك التي تمثل وجه حضاري للبنان، ومقصد لكل سائح ومغترب وإنموذج يحتذى به في دول الشرق والغرب، فهي تعبر فقط عن أشخاص يصطادون في الماء العكرة بهدف تدمير ما تبقى من عمود لبنان الفقري، في السياحة والأماكن الحيويّة الجميلة المتبقية والتي ما زلنا نفتخر بها.
وبذبك إن مؤسسة التلفريك جاهزة لإطلاع الرأي العام على كل الأوراق التي تثبت صحة العمل في الشركة، والصيانة الدورية، وهي مستعدة للإجابة على أي سؤال يطرح، وكل إشاعة ذاعت ليقطع الشك باليقين وقد جاء على لسان الشركة بشخص رئيس مجلس إدارتها ومديرها العام الأستاذ جوزاف فؤاد بولس، وبالوثائق أسماء كل الشركات الموثوقة المرتبط اسمها باسم التلفريك، ان كان من ناحية الصيانة الى ناحية كل مسؤول يتحمل المسؤولية المسرفة البالغة الأهمية لديها.
وقد صدر بيان توضيحي عن الشركة جاء فيه:
أولاً: بالنسبة لمدة الامتياز الممنوح للشركة لما وردت أنباء وتصاريح خاطئة على شاشات التلفزة، وفي بعض الصحف مفادها “أن شركتنا تتابع تشغيل تلفريك جونيه-حريصا على الرغم من انتهاء مدّة الامتياز المعطى لها…” (كذا) وعملاً بحق الردّ والتصحيح المعطى لنا، يهمّنا إعلام الجميع بأن شركتنا لا تزل تستثمر أصولاً وبكل قانونيّة خطّ التلفريك ضمن مدّة الإمتياز الممنوح لها من قبل السلطات المختصة – الذي لم تنته مدته سنة ٢٠٢٢ كما قيل… – وذلك بالإستناد وعملاً:
أ – المرسوم رقم ١٥١٠٥ تاريخ ١٩٦٤/١/١٣، الذي مُنِحت أصلاً شركتنا بموجبه امتيازها لمدة خمسين سنة من التاريخ المذكور،
ب – بقرار مجلس شورى الدولة تاريخ ٢٠٠٧/١٢/٦ الذي قضى بتعليق فترة امتيازها لمدّة ١١ سنة، والتي تمددت بموجبه لفترة ١١سنة إضافية،
ج – وأيضاً بالإستناد الى الكتاب التعميمي رقم ١/١/أ الصادر عن وزارة الطاقة خلال سنة ٢٠٢١ والذي عُلّقت بموجبه مدّة العديدمن الامتيازات – ومنها امتيازنا – لفترة ١٦ شهراً و ١٢ يوماً، وذلك تطبيقاً وعملاً بقوانين “تعليق المهل” المتعاقبة منذ العام ٢٠٢٠. وذلك تنتهي مدة الإمتياز في شهر نيسان ٢٠٢٦.
ثانياً: بالنسبة للحادث الذي حصل بتاريخ ٢٠٢٣/١٢/٢٨ وطريقة معالجته السريعة: يهمّ شركتنا أن تطمئن أولاً الجمهور بأن العطل الميكانيكيّ الذي طرأ على المستوى الأرضي من الخطّ (Station Fixe de Haret-Sakhr) لم يؤدي – والحمدلله – الى أية إصابات و/أو أضرار بشريّة وتحديداً بأي من الركّاب المتواجدين ضمن “كابينات” التلفريك.
حيث أن الإدارة عملت فوراً وعاجلاً الى إستقدام الدفاع المدني والجيش اللبناني لمؤازرة فريقها الفنيّ المحلي في عمليّة إخراج الركاب العالقين في الكابينات بالشروط الآمنة المعتادة المعمول بها عالمياً، وإنه قد تمّ إستخراج كافة الركّاب بكلّ حِرَفيّة وامآن، بحضور طبعاً الصليب الأحمر اللبناني، مشكوراً والجدير بالذكر ان الدفاع المدني والجيش اللبناني تدخلوا بكامل عتادهم وإمكانياتهم للمشاركة في عمليّات الإستخراج تلك، مشكورين.
ثالثاً: أما بالنسبة للعطل الميكانيكي الذي طرأ على جهاز التلفريك بانتظار التقرير الفنّي النهائي تبين لنا – حتى الآن – انه “عطل ميكانيكي محتمل” جرى على مستوى “المحطة الثابتة الأرضية” في حارة صخر، حيث علقت وتوقّفت إحدى الكابينات مما أدّى إلى اصطدامها بالكابين اللاحقة بها مباشرة، وكانت كلتاهما فارغتين من الركاب.
وتجدر هنا الإشارة الى أن “نظام الأمان الاوتوماتيكي” هو الذي أوقف سير خطّ التلفريك فور حصول العطل المذكور ولتفادي طبعاً أيّة أضرار إضافيّة على الخطّ. كما يهمّ إدارة الشركة أن توضح بالمناسبة بأنّ أجهزتها هي دوماً ودوريّاً موضوع كشف ومراقبة فنيّة من قبل شركة عالمية معروفة – هي شركة “BUREAU VERITAS-HALEC” الفرنسية – وبشكل محلّي ومتواصل من قبل الشركة الاستشارية اللبنانية المعروفة “ECM”،
وبالتالي لا داعي للقلق بالنسبة لإعادة إستئناف العمل بشكل طبيعي وآمن فورالتأكّد، بواسطة الشركتين الإستشاريتين المذكورتين، من كافة أسباب العطل الميكانيكي الحاصل وإصلاحه بكل مهنيّة تحت إشرافهم، وطبعاً تحت رعاية وحماية سيدة لبنان الدائمة لمشروعنا. فاقتضى بموجبه التوضيح وتصحيح ما نُشر وقيل خطأ حول قانونية ومدّة سريان امتيازنا”، وعن سائر تفاصيل الحادث المذكور.
ويبقى السؤال من يريد ضرب السياحة في لبنان بهذا الشكل وبهذا التوقيت بالذات ؟ ، وهو موسم أعياد والناس تفرح في مشوار أقل ما يقال عنه مشوار يشعر بالدهشة والسحر، في زمن ضاعت فيه حتى الابتسامة.
تلفريك-حريصا سيظل مكان يذهل العقل والروح، مجهّز بطريقة آمنة ومريحة لكل عشاق السياحة الطبيعية في العالم ، يجعل نبضات القلب تتسارع وتسابق دهشة العيون، بمواصلة ارتفاعه لمشاهدة الجبال المجاورة لطبيعة خلاّبة رسمتها ريشة الخالق بأجمل صورة، على الرغم مما حدث، هذا التلفريك يشهد على زمن لبنان الجميل وتخلّد حجيراته، زيارات قام بها كثر من رموز المجتمع العربي والأجنبي، من قادة ورؤساء لدول عديدة، وزيارات كثيرة من نجوم السينما اللبنانية والعربية، من ممثلين فنانين أدباء شعراء ورسامين.
وجود المعنى الأساس للتلفريك والقبلة الأهم، ارتباطه الوثيق بمزار سيدة حريصا الذي تحّول من مجرد نزهة ومغامرة جميلة مكتسبة، إلى وجهة إيمانية عالمية، لعشاق العذراء مريم التي ترتفع وتفتح ذراعاها وعيناها وقلبها لكل المحّبين المتعطشين للصلوات، والنذورات، والشموع المضاءة على نيّة لبنان والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى